Tuesday 13 July 2010

الدم البارد



      ازدحمت الحافلة بركابها الذين تجمهروا جلوسا و وقوفا، و تجمع بعضهم عند المخرج في وسط الحافلة، نظر السائق و قال ابتعدوا عن المخرج، تزحزح بعض الركاب هناك إلا أن ذاك لم يعجب السائق الذي قال إن هناك مقاعد فارغة كثيرة بالطابق العلوي من الحافلة اصعدوا إليها، إلا أن أحدا لم يصعد، فما كان من سائق الحافلة إلا أن توقف و أطفئ المحرك و التفت و بصوت مرتفع أعرب عن امتناعه عن القيادة ما لم تنفذ أوامره.
      وقفت إحدى الراكبات و باشرته بالكلام بأنه ليس من حقه أن يجبر احد على الجلوس لا بل ليس من حقه تحديد مكان وقوف أو جلوس أي من الركاب حتى انه ليس من حقه مجرد التحدث مع أي منهم، و أبلغته أنها ستشتكي للمسئول عنه، و بعد لحظات نزلت من الطابق العلوي راكبة أخرى و نظرت إليه و سألته بأي حق توقف الحافلة؟ أنا يجب علي أن الحق بالحافلة التي انطلقت الآن من الموقف التالي و أنت بتصرفك هذا حرمتني من حقي بالوصول بالوقت الذي يناسبني، اجبني ما الحل الذي لديك الآن لتعوضني بدل تأخري الناتج عن تصرفك الأرعن؟
      عدت إلى البلاد و باليوم التالي ذهبت إلى مكتبي لا لشيء إلا لتوقيع بعض الأوراق و تحرير دفعات فواتير و الاستماع لبعض المشاكل التي حصلت بغيابي و كيفية حلها، و اجتمع بعض الموظفين يهنئون بالعودة سالما، و دار حديث عن تلك البلاد و عادات أهلها و حياتهم، ثم بادر احدهم و وصف أهلها ببرودة الدم، نظرت إليه و سألته ما المقصود ببرودة الدم؟ هل نحن الذين نصمت عن كل الأخطاء من حولنا دمنا حار و هم الذين لا يقبلوا أن يتنازلوا عن اقل حقوقهم دمهم بارد، هل التهور و الرعونة بالتصرف و الميل إلى التشاجر لأتفه الأسباب لان دمنا حار أم معرفة حقك و إصرارك على نيله و التمسك به برودة دم؟ هل التجبر بالمرأة و امتهان ضعفها لدرجة الاستعباد واختزال همها برداء و غطاء في حين يوشك الرجل أن يُغتصب كالإماء و يُساق كالبهائم إلى المجهول حرارة دم؟
      تلك الليلة بت أفكر بما نحن؟ لسنا على خارطة أي انجاز على أي درجة من الأهمية أو السخف، نحن حتى بأسخف الانجازات السخيفة كالرياضة مثلا ليس لنا أي وجود، فكيف بنا نكون بأي مرتبة بين الانجازات العظام، و نتمسك بحرارة الدم و سخف المظاهر الكاذبة، نحن باختصار لكثر كذبنا أصبحنا نكذب حتى على و عن أنفسنا.
      إلى متى نتشبث منهزمين وراء شعارات لا نفقه معانيها ، و بمجرد تلفظنا بها ندين أنفسنا دون علمنا أو لجهل لفنا حتى أعمانا؟

فارس غرايبة