Monday 14 June 2010

أبطال الورق



      حديثي هذا سوف يغضب البعض و يؤلم آخرين، اعتذر من البداية إلا إن الألم شعور يلازم الشفاء و الاستشفاء منذ الأزل.
      ما أن وعيت على هذه الدنيا و أنا أتلقى أخبار أبطال الأمة هنا و هناك، منهم من عاصرت و منهم من لم أعاصر لكني عاصرت من عاصرهم و كان ما زال يتغنى ببطولاتهم و عبقريتهم القيادية الفذة التي ندر نظيرها، و شح مثيلها.
      عشت كل سني عمري استمع لخطاب بطل من الأبطال تارة و أصغي لتحاليل عباقرة السياسة و فطاحل الدبلوماسية و جهابذة الفكر من حولي تارة أخرى.
ذاك يمنّي الأمة بالنصر و الفتح المبين و يهول من حوله أبواق الأنظمة والتنظيمات و يجوعون السمك تارة و يرسمون طرق النصر عبر عمان و يتوعدون الأعداء الاستغراق، و في النهاية غرقنا نحن بالهم و الغم و الدّين الذي استجرّه علينا التسلح و التسليح الفاسد.
      و آخر يناضل و يفادي و ينظم عمليات بالسر و العلن، يتخفى برداء امرأة تارة و يظهر من بين ثنايا العتمة تارة أخرى، أفنى حياته يتبسم و يقبّل و يقبّل و يقبّل و بالنهاية كان جل مطلبه دولة ولو على منطاد.
      من هناك ظهر علينا يغدق المال على كل مادح كان في البداية علماني و في النهاية استشهادي، اكتشف إن الطريق لتحرير القدس لابد أن تمر عبر الكويت، و عشمنا هذا الآخر بالكيماوي و الجرثومي و الفيروسي حتى أصبحنا نعامل معاملة الفيروسات و الجراثيم في هذا الزمن، و ما زال لغز كيماويه يكوي جنبات العراق الحزين.
      جل أولئك أجمع كل من حولهم أنهم ماتوا شهداء و كأن الشهادة شكل لباس أو نوع غذاء أو حتى قصة شعر، و أنا أرى أنهم و كثر غيرهم ما هم إلا أبطال من ورق و أنا أول من يمزق الورق كي لا أورث ولدي فن الكذب، و سأعلمه أن الأبطال يعملون دون كلام و يتركون الكلام لمن يرى أعمالهم و يستشعر نتائج الأفعال.
      و الآن يظهر علينا بطل من الروم، استبطلته الأمة من حيث لا يدري، استبطلوه لظمئهم لبطل ليس للقتال بالصفوف من خلفه بل للتغني بأشعار عن طلته البهية و إعادة استدراج جهابذة التحاليل و عباقرة التنظير لملء الفراغ و حشو أوقاتنا بجرعات من المخدر الأممي، و ما الغاية من استخلاق هكذا بطل إلا لجرعة جديدة من الإحباط.
      و من هناك شرقا من خراسان لا ندري إلى متى يتوعد و يفاوض و يفاوض و يتوعد، و يزرع الأرض بمنظّريه و يشعل كل مكان عربي بالفتن دون أرضه، يحث مقاوم و يدعم مقاتل، و كلهم في ارض ليست أرضه و ليست ارض الأعداء.   

فارس غرايبة