Saturday 15 June 2013

حرب البلالين


في أواخر أيام الدراسة من كل عام و حينما تبدأ ملامح الصيف تطل علينا بجفافها و حرّها، كانت تنتشر بين الطلاب حرب البلالين، يجلب الطلاب بعض بلالين، عادة تكون من البقالة المجاورة للمدرسة، يملؤوها بماء و يرموا بها على بعضهم، كثر يأخذون الأمر برحابة صدر، بعضهم يُبدي امتعاضه، و البعض يلوذ بنفسه نأياً عن البلل أو لعدم حيازته أي من تلك البالونات، أحياناً تصيب احدى البالونات الطائشة ذاك الطالب ذو الهندام الرتيب الذي دائماً ما حوى جيبه ثلاثة أقلام بألوان مختلفة يجيب دائماً عن كل سؤال، دفتره مسطّر شعره مسرح بعناية، و لتعكير الماء رتابة هندامه و صورته التي شقي في بنائها و ترسيخها في أذهان أقرانه، ينتفض ذاهباً إلى المعلم المناوب في الساحة ليشتكي، و لكونه ذاك الطالب المجتهد دائم الطاعة يبادر المعلم بالصراخ على الطلبة المارقين عصابة البالونات المائية، مهدداً مزبداً متوعداً.

يخضع بعض الطلبة بعد استشعارهم جدية ذاك المعلم، بعضهم لنفاذ مخزونهم من ذخيرة البالونات، فيتركوا تلك اللعبة التي صارت مذمومة محظورة مبغوضة، إلا أن فئة منهم تأبى الانصياع لحيازتها لكم من البالونات و مدفوعة باغراءات نخبويتهم و بعضهم لطغيان فطرة التمرد لديهم، فيستمروا برشق البلالين المائية، بعض من رفاقهم الذين انصاعوا أو كلّوا أو رغبوا باستمالة المعلم ينتظمون في صفوف المعارضين لاستمرار هذه اللعبة، ينال أحد المنقلبين رشقة بالون يتلفت بعد أن يفيق من ذهلته، يحدد الجاني فينطلق بكل عزم نحوه جرياً و ما أن يدنو منه يركله برجله بكل عزم على مؤخرته، تحتوي تلك الركلة على كل ما اختزن من غبن المحروم متصنّع الطاعة على مضض فاقد مخزون ذخيرة البلالين، يحار المعلم بعدم جدوى نهجه، يحضر عصاه التي طالما ادخرها لهكذا ظرف، يرفعها ملوحاً باشارة تهديد لكل من تسوّل له نفسه العصيان، لا ينجح، يمعن بتهديداته يمسك أحد أفراد عصابة البلالين و بعشر ضربات من عصاه على يده و بمرأى من جموع الطلبة ينفذ تهديده عله يردع العصاة، إلا أنه لا ينجح، يقترب منه الآذن يعلمه عن حل يراه ينهي التمرد، يشعره المعلم باذنه لكي يتصرف، يذهب الآذن و يغلق الماء عن كل صنابير المدرسة، لا ماء، لا لغسل و لا لشرب لنجفف منابع ذخائر المردة العصاة، تنتهي الفرصة، يعود كل الطلبة لينتظموا في صفوفهم، يشعر المعلم بنشوة نصر منقوص يسجّل الآذن نقطة على المعلم تبقى تنخز جنب المعلم كلما نظر إليه، المدير كان يطل من نافذة مكتبه مبتسماً لا أحد يدري هل هي ابتسامة سخرية أم اعجاب أو أنه تذكر طفولته؟

لم اقتنع يوماً بعفوية تحركات عصابة البلالين المائية، طالما شككت بغايات صاحب البقالة المجاورة للمدرسة يشيع تلك الحركة ليروج لما كسد لديه من بلالين، أحياناً أشك بالآذن لربما يكون من الذكاء ليسجل على المعلم تلك النقطة المذلة سراً، و تبقى تحيرني ابتسامة المدير.

كبرنا و كبروا و بقيت حرب البلالين.

دمتم بخير