Thursday 10 March 2011

ارض الحقد و النفاق


      بداية أستسمح العم الكبير الشيخ المعلم عبد الكريم غرايبة إذ استوحيت العنوان من كتابه "الأردن أرض الحشد و الرباط".
      منذ مدة و أنا أمانع نفسي الكتابة بهذا الموضوع الشائك، و لملاحظتي بروزه الملفت مؤخرا  بت في حيرة، هل هي مواضيع تُؤجّج و تُستغل أحيان و تخزَّن و تفرزن في مبردات السياسة أحيانا أخرى؟ إذ أن التوقيتات ملفته للنظر و المتابع للأمور يفهم قصدي.
      يابا يا فريد ترى أبوه لعطوان بك كان أحسن واحد بوادي الدفلى، و كان زلمة الله يرحمه، و الله يا عطوان بك جيتك مشان ابني فريد بلكي دبرته بأي شغلة عندك.
      و بعد تململ وعد عطوان بك أبا فريد بالخير للخلاص منه و سار على رأي المثل الذي علمنا الكذب "لاقيني و لا تعشيني".
      خرج فريد و أبوه و بالسيارة.
      ها يابا بالك بسويها عطوان بك؟
      و الله يا فريد شكله هامل طالع للي خلفه، لا بهش و لا بنش.
      طيب كيف يابا ما أنت قلت أبوه مليح؟
      أبوه؟ كان هامل الله يرحمه، كان عنده ملحمة ما يبيع إلا لحم فطايس، و اللا لعاد من وين قري عطوان و صار بك؟
      طيب يابا شو رأيك نروح عند عمي خلف، بعرف سايق الباشا، تراه السايق بمون ع الباشا.
      سبعك و سبع عمك معك يا فريد، هبيله إنت نسيت يوم ما مرت عمك قالت عن أختك انه شعرها قرعط، إيمتا بدك تصير تفهم، هبيله طالع لخوالك.
      ما إلنا إلا نروح عند خليل بك، بقولوا ناوي يترشح للنيابه بالدورة الجاي.
      دخل فريد و أبوه مكتب خليل بك.
      يابا يا فريد ترى أبوه لخليل بك كان أحسن واحد بجبل التنك، و كان زلمة الله يرحمه.
      رد خليل بك: بس أنا أبوي ما مات!!
      يا سيدي الرحمة تجوز على الحي و الميت، الله يرحمنا جميعا، و يا سيدي أنخاك و الا أنخى الذيب؟
      و تمتم خليل بصوت غير مسموع يلعن الذيب و أبو الذيب و الغنم كله ع هالصبح، لا يا بو فريد خسى الذيب قول شو المطلوب؟
      جيتك مشان ابني فريد بلكي دبرته بأي شغله عندك، و ترى إحنا مسجلين معك بالدائرة يا سيدي.
      ها و الله طيب شو دارس فريد؟
      و الله ما درس، وصّل إعدادي و بعدين صابه مسامير لحم باجريه و ما قدر يكمل، بس فريد ذكي و فتح بيعجبك يعني وين ما رميته بيجي واقف.
      يا أبو فريد أنت بتعرف الوظايف هالأيام بدها مؤهلات.
      له يا خليل بك انت قدها و بتدبرها من هون و هون، و إحنا إن شاء الله اعتبرنا "هنا الحديث بصيغة الجمع عن نفسه و أقاربه" عزوتك و إيدك اليمين بالانتخابات.
      اخذ خليل بك معلومات فريد الكاملة من ضمنها رقمي النقالين إللي مع فريد و وعد خيرا.
      بعد أن خرج خليل و أبوه.
      ها يابا و هالمرة بتزبط؟
      تراني مسكته من الإيد إللي بتوجعه، و مشان الانتخابات إلا يسويها، و لولاه ناوي يترشح تراه ما بفوتنا مكتبه، بالزمانات جدك راح لأبو خليل و طلب يحط عنده بيضات لأنه عندهم "قرُقّة" و ما رضي و خرب البيض و ما فقس.
      مساءا اتصل خليل بك مع صديق له بالقطاع الخاص ليجد مكانا لفريد، لبى صديقه علي طلبه و أخذ المعلومات و وعد بالاتصال به، لكن خليل بك قال له لا أنا سأتصل به و غدا صباحا سيكون عندك، مع الشكر، و فورا اتصل خليل بابي فريد.
      مساء الخير، تراني ترجيتلك واحد من الأصدقاء مشان فريد و وعدني يعينه و بكره بدي فريد يكون عنده، و تم تلقين المعلومات لأبي فريد.
      و بادر أبو فريد كالعادة: و هسعيات يا بك بدك اتحددلنا يوم نتغدى سوا، لا تقول لا ترى بزعل منك.
      طبعا هذه فرصة لمشروع المرشح خليل، لا و الله يا أبو فريد الواحد ما فاضي يحك راسه.
      جيرة.
      بالله لا تحلف.
      جيرة الله ما انت مفشلني.
      لا حول ولا قوة إلا بالله، طيب مشانك يا أبو فريد بس و الله.
      علي بعد انقضاء المكالمة، وين بدي احط هالموظف؟ لا حول ولا، يالله بتدبر.
      أحسّت زوجة علي بحيرته فسألته، و اخبرها بالحال، فقالت له كان اعتزرت؟
      أعتذر؟ عند خليل بك قرار العطاء اللي بنيت عليه كل آمالي، بالله يا فريال مشان الله شو بتحكي؟
      طيب مو مشكلة شوف شو بيصير هو الموزف شو بيتوأع؟
      الله أعلم بكره بنشوف.
      بالصباح، دخل فريد الشركة يختزن كل ما لخليل بك و أبوه و الأصوات المسجلة و غير المسجلة من أقاربه و المرشحين من عنفوان، و جلس ينتظر علي، و بعد وقت وصل علي مكتبه، فنظر إلى فريد فكان ذاك الشاب صاحب الأنفة، فظن علي انه بصدد تعيين مهندس أو مدير، فسلم عليه و سأله عن مؤهلاته و الوظيفة التي يتوقعها، وحينما أدرك علي المتطلبات اطمأن و تنفس الصعداء.
      علي صاحب شركة خاصة متزوج حديثا من فريال التي لا تقربه، و ارتبطا بعد قصة حب، و تزوجا بعد اخذ و رد و تجاذب بأوساط العائلتين، فهو من مكان و هي من مكان برأي أهلها انه مش من توبنا، و برأي أهل علي إنّ ابنة عمه استرله و بتظل منا و فينا، وكثيرا ما تكون عبارة منا و فينا يمكن اختصارها بكلمة "أوفر"، إلا أنهما و بعد إصرار تم زواجهما و بحضور طرفي الصراع، و بعد مدة بدأ الأهل بزيارة دار علي و فريال، فأقارب علي كلما تركتهم فريال لتعد ما تقدمه لهم، بدءوا بأسئلة التحري و الاستجواب.
      ها يا علي كيف حالك؟ مبسوط؟ شو بتعشيك زعتر؟ قلّي يا علي مشتهي المنسف؟
      و علي بكل برودة أعصاب يجيب بابتسامة مجاملة. و كذلك أقارب فريال، يوما تلحق بها خالتها إلى المطبخ متحججة بمساعدتها فتبدأ باستجواباتها، فريال يا حبيبتي، بيضربك؟ احكيلي ما تخافي.
      لا يا خالتي من وين بتجيبي هالحكي؟
      طيب انت حرة، بكرة بتزوج عليكي.
      صادف أن جاء صديق لعلي لزيارته بحضور أقارب فريال، فسأله احدهم عن من يكون صديقه فبعد التوضيح، تغيرت الوجوه و كان الامتعاض واضحا على بعض الحضور، فاستغرب علي و لم يعرف السبب، و بعد ذهاب صديقه، طلب من فريال السؤال عن سبب التوتر السائد، فسألت فريال خالتها و صدمت بإجابتها "هدول يا خالتو فلاحين".
      طبعا كان علي و فريال يخبر كل منهم الآخر بالأحداث السريّة و ما يجري وراء الكواليس، فيبقيا يضحكا على ما يدور من أحاديث و تعليقات.
      فريال كل يوم و الآخر و في كل فرصة تعد منسفا لعلي و باحتراف و إتقان، إلا أن عليا و في يوم فاض به الكيل سأل فريال، ألا تعرفي أن تُعدّي أي شيء آخر؟ يا فريال أنا لا أفضل المنسف و إن كان لا بد فأفضله بالدجاج، دهشت فريال فقالت ما قصدي إلا أن أقدم ما اعتقدت انك له محب.
      ضحك علي و قال يا فريال أنا لا أفضل المنسف، و مثلك لا أفهم كلمات كثير من الأغاني، أنا لا أتابع كرة القدم و لا تعنيني نتائجها، و لا أجد في أي من ذلك علاقة بالوطنية و حبي لبلدي، وطنيتي لا تُختزل بمائدة أو كرة وطنيتي ليست ملصق و صورة على زجاج سيارتي، ليست أغنية بمسجل السيارة بأعلى صوت ممكن، ليست مشاجرة بدون عنوان بأي مكان.
      غريبة هذه الدنيا، الغني يكره الفقير، الفقير يحقد على الغني، الموظف ينكل بالمراجع حاسدا و المراجع يغل في قلبه غضبا دفين، ابن هناك يكره كل من هو ليس من هناك، و المرأة تكره المجتمع لأنه يميز الرجل عنها و الرجل يكره المرأة إذا ما تفوقت عليه و يعزي ذلك بخباثة و همز و لمز كونها امرأة، نكره تلك لأنها محجبة و نكره تلك لأنها غير محجبة، الشباب يكره حارس المول، و الطلاب يكرهون الآذن حارس المدرسة حينما يطردهم من الملعب، و شيخ الجامع يكره كل من لا يصلي التراويح برمضان في مسجده و كأن المسجد له و ما عاد لله، و نكره الملتحي و الملتحي يكره الحليق، نكره الحيوانات الأليفة و غير الأليفة، نكره الصيف و نكره الشتاء، الطالب يكره الدكتور بالجامعة و الدكتور يكره الطالب لأنه يقود سيارة ليس بمقدوره حتى ركوبها، نكره الوزراء نكره المستشارين نكره الدول الشقيقة و الصديقة و نكره المسافرين و القادمين، نكره الأجانب و نكره الأمريكان و الألمان، نكره نكره نكره حتى أنفسنا و نبقى نصيح مش طايق حالي.

فارس غرايبة

اعتذر لكل من لقي تشابه بين الاسماء و الواقع كون ذلك بالتأكيد غير مقصود، و ارجو أن لا تكرهوني أيضا. 

2 comments:

m2m.on said...

جميل جداً, ياريت الكل عنده نفس مستوى الوعي.

m2m.on said...

جميل جداً, ياريت الكل عنده نفس مستوى الوعي.