Wednesday, 28 April 2010

غرفة الدموع و الأمل




      قبل مدة قصيرة اضطررت للبقاء مرابطا في مستشفى ملازما سرير والدتي التي بحمد الله منّ القدير عليها بالشفاء، خلال تلك الفترة بقيت أمي بالعناية الحثيثة لمدة وجيزة.
      لفت نظري قاعة انتظار لذوي نزلاء ذاك القسم اعني العناية الحثيثة، تلك القاعة التي ضمت على مقاعدها الباردة رغم دفئها، أمهات و أخوات، بنات و زوجات، آباء و أبناء و أنسباء، كثر كانوا هناك ذاك مثقف يتحدث عما عرفه من الأطباء، و آخر بتواضع يتحدث عن شيخ صاحب كرامات، و رجل أنهكه كثر شرح الحالة لكل من سأله عن حال مريضه، و تلك الأم ماانفكت تبكي بدموع غزيرة و ما سمعتها تتحدث قط، و عجوز مرابطة على مقعدها ما تركت مسبحة طويلة كانت بيدها أبدا أكاد اجزم أنها ورثتها من أمها فتسابيح الليل و النهار بادية الأثر على حبات تلك المسبحة، و رجل كلما دخل إلى المريض أجاب انه أفضل الآن فما عساه يجيب تلك الحشود الظمآ لما يروي عجزها و قلة حيلتها، أما اختنا السودانية مع طفليها و كأنها الأولى هنا فهي تعرف كل المخارج و معظم الممرضات، و حفيد احدهم منعوه الدخول كونه صغير و هو يصيح اعرف أني صغير لكنه جدي فكيف يكون هناك جد لمن هو ليس بصغير؟ و يوم الجمعة حضرت زوجة ابن احد المرضى فاعتزلنها بقية النسوة و نبذنها و كأنها السبب في مرض حماها فبقيت لبرهة و اضطر الابن للخروج بعد دقائق ليعيدها لبيتها و انتشت الأم بفرحة و كأنها منتصرة عليها و هي لم تعلم أن ابنها الضحية، آخرون يدخلون و يخرجون بصمت قاتل، هناك بالزاوية البعيدة مجموعة من النسوة يتحدثن عن فردوس التي لم تأت و لم تسأل و اتضح لي إن فردوس زوجة أخ المريض فكانت فردوس بطل تلك الحلقة من النميمة، أما جمال فكان بقمة امتعاضه من أخيه جعفر الذي كان صاحب النجومية كونه من البادي انه على درجة من الثراء لكن للأمانة كل الجهد كان يقوم به جمال فامتعاضه بالحقيقة كان ليس من أخيه بل من قلة التقدير.
      في لحظة سوداء بدأت حركة نشطة من ذوي المآزر الزرقاء يتراكضون و بعض من ذوي المآزر البيضاء أيضا، تلتهم أجهزة ضخمة غريبة، و جاء رجال يرتدون لباسا شبه عسكري نعم إنهم حرس المستشفى، و بعد أن توتر الجمع و كأنهم بانتظار إعلان، إعلان اسم اختيار القدر، خرج الطبيب معلنا وفاة احد المرضى و معزيا من حضر من ذويه، خيم الصمت الذي تخلله بعض آهات و تنهيدات من باكين و باكيات، حضر الموت فاخرس كل من شغل حديثة تفاهات الدنيا و انتقادات التصرفات و ما يجوز و ما لا يجوز، أطبق الصمت الأسود تلك الساعة فيا ليت اعتبرت تلك الأم و رحمت ولدها و احتضنت زوجته و يا ليت شغلت تلك الزوجة كلامها بالدعاء بدل انتقادها زوجة أخ زوجها، و ما أبقاني عاجزا منظر تلك الأم التي ما سمعتها تتحدث أبدا و تلك الجدة ذات المسبحة الطويلة، وقفن و كأن انتهى الانتظار و خرجن و كأنهن استنفذن الدمع خرجن بصمت كما كن، لا أراكم الله مكروه.

فارس غرايبة