Sunday 31 October 2010

تعددت المظاهر و التخلف واحد



      تعددت مظاهر تخلف الأمم و اختلفت ظاهرا إلا أن أساسها واحد لا خلاف فيه، فإن أردت أن تعرف مدى انحطاط الأمم بالتخلف تحرى انتشار مظاهره.
      من مظاهر التخلف اهتمام الأفراد بالظاهر دون الباطن و إمعان أفرادها بالعناية بالمحافظة على استمرار و ازدياد تلك المظاهر، و من ذاك تملك كل شيء لا يفيد أو تملك ما علو ثمنه دون معرفة بغايته أو استعمالاته، ففي بلدي لا تركب السيدات إلا مركبات الدفع الرباعي و هي تستعمل لخارج الطرق المعبدة إلا هنا فهي تستعمل لزيادة طول راكبتها رغم أنها تقودها بحذاء الكعب العالي، و نقتني الهواتف الذكية علما أن ذكاء هاتفك النقال لن يمنحك أي نفحة من الذكاء، و نحرص على شراء ملابس شريطة أن يكون شعار صانعها يكاد يطغى على الرداء بأسلوب مقرف لا ينم عن أي ذوق خصوصا ما يطبع بخط كبير على مؤخرة البنطال أو رسمة حمار على صدر لابسه، فضلا عن امتلاك أجهزة تزخر بالتكنولوجيا الحديثة دون معرفة كيفية استخدامها، فيصبح صاحبها كالحمار يحمل أجهزةً، أما الأرقام فنحن امة مهووسة بالأرقام فبدأ برقم لوحة المركبة انتهاء برقم الهاتف علما و لذكائنا الفذ ما عدنا نحفظ الأرقام فكلها محفوظة بذاكرة هواتفنا التي أصبحت اذكى منا.
      و من المظاهر أيضا الحرص الشديد على التشبث بالألقاب، السيد الأستاذ الدكتور المهندس علنتان الفلاني المحترم، هل الهدف معرفة اسمك الذي أسمياك إياه والداك أم أن اعرف سيرة حياتك؟ أم انك تقدم طلب توظيف دائم؟ كانت الناس يعرفون الأسماء و تهاب و تحترم أصحاب الأسماء من سيرتهم فيما بينهم دون ألقاب، فما كان صلاح الدين إلا صلاح الدين و عنترة لم يسمى يوما سعادة السيد عنترة المحترم، و إن كان منكم من اضطلع و لاحظ فإن امتنا بدأت تنحدر بوتيرة تتناسب عكسيا مع ازدياد الألقاب. و للتوضيح فكلما زادت الألقاب انحطت الأمم، فأكثر الخلفاء العباسيين ألقابا آخرهم.
      و من مظاهر التخلف أن يصل الشخص من الصفاقة لدرجة أن يعتقد انه يمتلك شيء يمتلكه غيره في آن، فكلنا نمتلك الشارع و نستبيح حرمات النوافذ و نقطف إزهار الحدائق و نركن المركبة في كل مكان ليس للوقوف و نزرع الأرصفة و نصم الآذان بصوتنا أو ببوق مركبتنا و نزاحم كل بعضنا بعضا إلا على باب المصعد فنخرج كل فنون الكذب فتظهر المقامات و اليمين و نستبيح الأيمان بالله لدعوة من يقف هناك أن يدخل قبلنا و هو مصعد سيصل بكل الركاب بنفس الوقت، إلا أننا حتى بهذه لا نستطيع إلا أن نتخلف، أما في الحافلة أو الشارع أو الموقف أو دور الانتظار فتبا لكل المبادئ، فلتقف العجوز و ليدهس الأطفال و ليُرهب المنتظرون، نعم إن من مظاهر التخلف أن يكون تجاوز القانون و استباحة النظام ترفعا و علو بالمقام.
      تبا لهذا الزمن تبا لهذا الزمن تبا......

فارس غرايبة

1 comment:

Mariam Al-Bishtawi said...

تبا لهذا التخلف .. هنيئا لمن امتلك هذا الفهم