بعد فترة من الحماس المندفع، و المتابعة الحثيثة لما جرى و يجري في تونس و مصر، ركنت إلى ذاتي و عدت كعادتي احلل الأمور بتأني بعيدا عن المؤثرات الإخبارية المحيطة، و بعد تفكير بالاضاد، تهت، فتارة أجد طرف الخيط، و تارة اكتشف أنني ممسك بالخيط الخطأ، تارة تتسلسل الأحداث بمنطقية، و تارة تتشوش الصورة و ادخل في حيز من الضبابية السوداوية لاستقراء المابعد.
كدأبي في التفكير المتأزم حبيس نظرية المؤامرة، كون تاريخ المنطقة الحديث و ما عاصرت منه لم يسمح لعقلي الخروج من هذه النظرية، وجدت أن أقوى الأنظمة و أشدها سيطرة و تزمتا، هي تلك الأنظمة التي أتت نتيجة تملق الإرادات الشعبية، بامتطاء صهوة الحماس الثوري بقوالب نضالية، و تسييسها في مراحل التقرير، بعيدا عن الدوافع و الآمال الحقيقية التي أنهضت و استنهضت العامة، و من هنا تبدر لذهني فكرة التجديد عن طريق الفوضى الخلاقة للوصول إلى الخريطة الجديدة المزعومة في المنطقة، فنتاجات الثورات من قرارات تقارب الكلام المنزل فمن يعترض فإما يتهم بالعمالة أو نصرة النظم السابقة البائدة، أرجو هنا أن لا أُفهم خطأ فلا بد أن أشير إلى إعجابي الشديد لما حصل و يحصل، إلا أن كلامي عن فترة الحصاد التي تفرز زعامات مستنسخة، تجيّر و تبلع كل الجهود بحجة المنطق و التباحث و التفاوض.
نقطة "أي بلد هو التالي" تؤكد لي صحة تفكيري بأن الأمور مرسومة، إذ لو أن الهدف الباطن كما الظاهر من المطالبات، لبادر من يستشعر بأنه التالي، و هو بالتأكيد يعرف، و قام بإصلاحات تتجاوز بكثير سقف المطالبات و التي أيضا هو مدرك لها، و حافظ بذلك على ديمومته و كيانه.
اكرر تأكيدي على إعجابي الشديد بكل ما حدث في تونس و مصر، و ما هدفي إلا مشاركتكم بتخوفات تنازع الفرحة، و حرص على عدم ذهاب التضحيات سدا، و تعود الأمور إلى سابق عهدها، فلا تنسوا أن من ثارت و تثور ضدهم الشعوب في تونس و مصر هم كذلك ثوار و نتاج ثورات.
فارس غرايبة
No comments:
Post a Comment