Tuesday, 5 March 2013

أصنام الشطرنج



لقد رأت الشخصيات الدينية اليهودية أن خلاص الشعب و وحدته يقومان في تنظيم سلوكه تنظيماً صارماً. بل حاول هؤلاء أن يجعلوا ضوابط السلوك أكثر صرامة، و معايير الوصايا أكثر ضيقاً. و وضعوا لتحقيق خطتهم مزيداً من لوائح الوصايا و الارشادات التي يجب على كل يهودي أن يتقيد بها بدقة. و من يخالف فإن محكمة السيندريون بانتظاره لتنزل به أقصى أنواع العقوبات التي قد لا تخطر له على بال. و كان قد بدأ وضع مثل هذه الإضافات إلى شرائع موسى منذ زمن الأسر البابلي. فقد حمل الكهنة اليهود نص الكتاب المقدس معهم و حافظوا عليه. و أعادوا هناك نسخ كثير من النصوص و ملؤوا الأماكن المفقودة منها بما حفظته ذاكرتهم. و قام بهذا العمل مع النبي عزرا، الكتبيون. و جاءت نتائج ذلك العمل مذهلة: لقد صاغ الكتبيون إضافة إلى شرائع موسى 613 وصية و فرضاً. 248 منها كانت أوامر واجبة، و 365 منها محرمات. و بهذا تكون الشخصيات الدينية اليهودية قد انقطعت تماماً عن الحياة الواقعية، و سعت لحشر حياة اليهود في أطر عبثية لا معنى لها، خلافاً لمنطق العقل و مغزى شرائع موسى، الذي علّم:"أحبب قريبك كما تحب نفسك". و هناك حيث تفرض المحرمات ينبغي أن تتحدد العقوبات كذلك. و يجب أن تتقدم العقاب الإدانة، و تتقدم هذه الأخيرة الوشاية. فقد اعتمد كل شيء على الوشايات، على الإبلاغ. لقد كان الناس يُرجمون بالحجارة إذا ما انتهكوا عن غير قصد هذا المعيار أو ذلك، أو هذا الفرض أو ذاك. و كانت عين الفريسيين – الكتبيين التي لا تسهو ترصد كل صغيرة و كبيرة. فذلك العمل الذي ضيق على حياة الناس حتى باتت لا تطاق، كان يتدخل في تفاصيل العيش اليومي، و استمرت الحال هكذا عدة قرون كان الفريسيون الكتبة خلالها يحصون على الناس أنفاسهم.

وصل الفريسيون حد العبث في ابتكار مزيد من المحرمات الجديدة التي زعموا أنها تنبثق من شريعة موسى. و يكفي أن نسوق هنا بعض العينات من تلك التشريعات. فمن الاضافات التي أضافوها إلى الشريعة: تحريم احتذاء الأحذية ذات المسامير يوم السبت، و حجتهم أن المسامير تشكل ثقلاً. أما الأحذية التي ليس فيها مسامير فقد سمح باحتذائها. كما قضوا بأنه يمكن أن يسير الشخص بفردتي حذاء، و لا يجوز له أن يسير بفردة واحدة. و إذا ما حمل شخص يوم السبت رغيف خبز فلا ضير عليه، أما إذا حمل الرغيف شخصان فإن في ذلك إثماً. و كان ثمة كثرة كثيرة من مثل هذه المحرمات التي لم تكن مجرد توصيات، إنما فرائض واقعية قد يدفع اليهودي حياته ثمن الاستهتار بها.

لا أدري و لمجرد إعادة قراءة النص مع تجريده من الأزمنة و الأسماء لم أشعر أنني أقرأ نصاً تاريخياً أبداً !!

دمتم بخير.