في زمن غابر قديم، عاش المسكين أمين الذي يعتاش من نقل الأحمال على حماره العنيد في سوق المدينة، تلك المدينة الكبيرة ذات الأسوار المنيعة و قلعتها الحصينة التي اتخذها الوالي مفوض السلطان منزلا له، متحصنا من الأعداء في تلك القلعة، أعداء لم يرهم يوما و ما عرفهم حتى إن كل السكان تحدثوا عن وهم وجود الأعداء و وسواس الوالي.
كان الواهم أسير قلعته و إذا أراد التنقل كان يمر مسرعا بعربة مغلقة مع جموع و جموع من عسسه و جنده المدججين بالسلاح حتى أن ما من احد من السكان عرف يوما للوالي شكلا، حتى إنهم أشاعوا انه ذا شكل لا بشري أو انه هجيــن بين الإنسان و كائن عجيب، لكن الوالي كان عادي الشكل و المنظر إنسان الهيئة و المظهر، لكن من غربته التي لف نفسه بها استوحش و قلبه تحجر، و كل مرة و مرة مد الوالي أسوار قلعته و زادها ارتفاعا و ارتفاعا، حتى بات السكان يسمون القلعة القوقعة و تندروا أن الوالي أوشك أن يحجب الهواء لولا انه أدرك حاجته للتنفس.
فــي يوم عادي ككــل أيام المسكين أمين، كان يقف عند طرف السوق يرجو الرزق من الكريم، و يسأل المارة إن كان احدهم بحاجة لامين و حماره، ليحمل ما يشترون و إيصاله، إلا إن أمين غاب حظه في ذاك اليوم، و كان الوالي مضطرا مارا من جانب السوق مسرعا و جموع الحرس تصيح و تهش على المارة كأنهم بهائم ضالة، و في تلك اللحظة انتفض حمار أمين المسكين و فر من بين يديه ليقف ثابتا متسمرا أمام عربة الوالي، نعم عربة الوالي دون كل العربات، و حمار أمين المسكين دون كل البهائم.
في لحظات تجمع العسس و الجند الحرس و بادروا الحمار ضربا و ركلا إلا أن حمار أمين مشهور بعناده الذي لا يلين، عنيد الحمار عنيد، ارتعد الوالي خوفا و صرخ يسأل عما وقع، لما توقفنا و ما الذي لمسيرنا منع؟؟ انه الحمار يا سيدي رد قائد الحرس، ماذا قلت الكفار الفجار؟ لا يا سيدي الحمار، ماذا أتنعتني بالحمار؟ لا يا سيدي توقفنا بسبب حمار، لا لا حذار إنها مكيدة أعداء، يستعملون البهائم لقتلي غيلة، اقتلوا الحمار، هذا أمر الوالي، فالتفت قائد الحرس و صاح معلنا أن الحمار من الأعداء المتآمرين على الوالي، و ابرم الأمر بقتل الحمار، فصرخ أمين المسكين قائلا: أنا أبعده عن طريقكم، اسمحوا لي، فاخذ أمين بالحبل و ابعد حماره عن طريق موكب جناب الوالي، و التفت إليه قائد الحرس و سأله هل أنت مدبر مؤامرة الحمار؟؟
لا يا سيدي رد أمين المسكين أنا مجرد مسترزق الأحمال في السوق، و ما لي أي سبيل إلى أي مؤامرات، و إنني لأستنكر و أشجب و أعلن عدم مسؤوليتي عما فعله الحمار بالوالي، و كان أمين من الذكاء إذ انه لم يبت إلا و هو خارج المدينة مهاجرا ساعيا وراء سلامته، و اشتهر في البلاد بأمين صاحب حمار مؤامرة الوالي.
فارس غرايبة