تائه أنا في صحراء مترامية السراب، رملها حتّ من عذاب و مرارة الظلمات، حالك نهارها و ليلها مكفهر السواد، صحراء شيخها يهوى العطب و لا يقرّب إلا الأغبياء، حتى أصبحت مرتعا لكل سفيه متشبث بسفاهات الاستجداء، حذار أن تفكر فملعون منبوذ من بدا عليه أي لمحة ذكاء، حتى إنهم يلعنون كل من بفكرة جاء، و أحيانا يدور حديث أنهم يعطبون أدمغة كل من بدر منه لمحة فكر، و ينعتونه انه ليس بابن الصحراء.
تائه أنا في تلك الصحراء، عبثوا ببوصلتي حتى أصبح الجنوب غربا و الشرق إلى الوراء، بعد أن خرجت ابحث عن بصيص نور استغله كي اقرأ أحرف الهجاء، إذ هناك ما كان إلا الألف و لم يصلوا بعد إلى الباء، سرت أتحرق شوقا لكل أحرف الهجاء و قدمي تتحرق من رمل الصحراء، حاف أنا مجرد من كل رداء، آسف أنا على جهل من تركت بالبيداء، إستَسرَقَ سمعي صوت حدّاء، انه تاجر يغني إبل محملة بكل ما تشتهي النفس و ماء، نظرني عاريا فرمى إلي بخرقة بالية كي استر البلاء، و بعد أن أسقاني و تنفست الصعداء، سألني أي خطب بك جاء؟ صدقته و أعلمته إني باحث عن ما بعد الألف و الباء، قال إن سرت شمالا حتى تجد ارض حمراء كالحناء، انظر صخرة تحوي مغارة تحسبها صماء، يجلس بها شيخ احترف تركيب أحرف الهجاء.
بت أحث السير شوقا إلى ذاك المكان بعد الصحراء، وصلت إلى المكان و كأن للأحرف فيه أصداء، وصلت ذاك الشيخ الموصوف بجهبذ من الألف إلى الياء، و إذ به كهل كفيف و في وجهه صفاء، سألني عما ابحث بعد أن طويت الصحراء؟ أجبت بتواضع أريد تعلم أحرف الهجاء، قال تعلم و اكتب ما سأمليه عليك كلمات توارثتها من الحكماء، أنا كفيف لا أرى الخيلاء و لا ما وضع زائري رداء، أنا أصم لا اسمع الألقاب و الأوصاف فكلها عندي سواء، أنا أبكم لا أتحدث بنميمة أو حديث رياء، تشبث بما استكتبتك و لتكن لك دستور حياة فهي خير وجاء.
فارس غرايبة
No comments:
Post a Comment