أطالع كتاب سيرة مدينة لعبد الرحمن منيف، استحسنت ما وصلت إليه حتى الآن، لكن ما لفت نظري سرده لتصرفات الناس في ذاك الزمن (أربعينيات القرن الماضي) خصوصا حرصهم التكتّم على متابعتهم أخبار الحرب العالمية، و كيف كانت الغالبية منهم ميّالة إلى طرف المحور مناهضين للحلفاء.
استرعت انتباهي هذه الجزئية بالتحديد، و هي كيف أننا شعبويا نميل دائما للطرف الخاسر، لا اعلم هل هو يخسر لميلنا نحوه و كأننا نجلب له النحس الذي أصبح يصبغ كل نواحي سيرنا، أم أننا لا نميل إلا إلى من على شاكلتنا من المنحوسين فيزيدنا استنحاسا؟ أم أنّنا نفتقر إلى بُعد النظر، فلا نستقرئ الأمور و نضعها بنصابها الصحيح فنميل بالاتجاه الخطأ؟ أم أننا نعيش حالة مزمنة من المعارضة، إذ من المعروف أن الأردن رسميا كانت مع الحلفاء في تلك الحرب؟
عدت بالذاكرة و استعصرت صورا من البوم الأحداث ما أذكر منها و ما سمعت أو قرأت، فما وجدت بعصرنا الحديث أننا ملنا شعبويا إلى أي طرف تكلّل عمله بالنجاح أو حتى عدم الفشل، حتى أنني أصبحت على قناعة أن ما من داع لتحليل لتوقع نتائج أمر ما، بل بالإمكان الحكم و تحديد الطرف الخاسر بمجرد الاستماع و معرفة الميل الشعبوي، فيكون النجاح حليف الآخر و الفشل من نصيب المؤيّد صاحب الحظوة الشعبوية، ادعوكم للعودة بالتاريخ القريب و تطبيق النظرية لتحري صحتها.
رغم أنني لا أرى أثر لأي رأي شعبوي، في حال بقي مجرد رأي، فما هي إلا كأحاديث الحلّاق و صداه الذي ينتهي بـ "نعيمًا" التي يعلن بها انتهاء عمله، فأكاد اجزم أن ما من حلّاق يستطيع الصمت، أو أن أي من المُستَحلَقين يبدي أي اهتمام لحديث الحلّاق، فهو مجرد صوت يواكب الملل لتمضية الوقت و من باب المجاملة أحيانا.
فارس غرايبة
No comments:
Post a Comment