Monday, 22 August 2011

ليست الشعوب هي المندسّة


منذ أيام و أثناء متابعتي لمحاكمة حسني مبارك، استغربت طلب أحد المحامين إجراء فحص للتأكد من صحة شخصية المتهم، و أنه هو حسني مبارك بالفعل أم لا، إلا أنني و بعد وهلة استدركت بعد استقراء شعور ذاك المحامي، معذور فهو كما كلّنا أمضى كثيرا من سني عمره يدرس و يسمع و يقرأ و يشاهد حتى أصبح هو نفسه يتحدث بنفس وتيرة التمجيد و المديح المتصل للسيد الرئيس، الملهم البطل صاحب الفكر النير المستنير، الإنسان الراعي الحاني صاحب القلب الكبير، الرئيس الذي أوصلته الأبواق إلى مراتب الآلهة و الأرباب "حاشا لله"، فنازعت نفس ذاك المحامي الكفر بكل ذلك، فكان أسلم لعقله بدل التخلص من ذاك الكم الهائل من الصور و التصاوير أن ينكر أن هذا الشخص هو نفسه صاحب الصورة المغايرة لما زُرع في ذهنه و أن الماثل في قفص الإتهام ليس هو، لأن ذاك الموصوف لا يمكن أن يكون كهذا أو وراء القضبان. و أتابع كل ما يدور حولي مقارنا بما مر علي من نظريات و تنظيرات، قواعد و فلسفيات، محاولا الإستلهام لاستقراء أي شيء.  
          فالشيخ "أفلاطون" و على لسان "جلاو كون" قال أن القوانين هي نتاج العقد الاجتماعي، و هذا العقد إتفاق الناس على الوسيلة التي تحول دون ارتكاب الظلم، أي تعاقد الناس على التنازل عن الممارسة الحرة لإراداتهم مقابل حماية أرواحهم و مصائرهم. يا شيخ إذا ما عاد أحد من اطراف العقد يحترم هذا التعاقد، لا بتصرفاته و لا بكلامه، نفهم أنها فرطت؟ و بصراحة شرد ذهني حيرة فيما قاله الشيخ "أفلاطون" عن أن العدالة تتحقق بالارتفاع بعقلية المواطن و رغباته نحو الكمال.
          و عاد الشيخ بكتابه "الجمهورية" و ذكر أشكال الدول من الدولة العادلة و دولة الاستبداد مرورا بالدولة التيموقراطية و الدولة الاوليجاركية و الدولة الديمقراطية. اسمحلي و بتواضع أضيف الدولة الهلامية أو دولة "الجيلو"- الجيلو: تلك الحلوى الهلامية الرخوة المكونة من "جيلاتين" و بعض الاصباغ السامّة- و عودة إلى موضوع دولة "الجيلو"، فهي تأتي بعدة ألوان منها اللون الأحمر أو اليساري و اللون الأخضر أو اليميني و اللون الأصفر أو العصى من المنتصف، هذه الدولة تتخذ شكل الوعاء المحتوي لها، لكن ما أن يُزال الوعاء تتكشف هلاميتها و تظهر على حقيقتها الهزيلة بلا قوام أو أي صلابة، لإفتقارها لأي مكونات غير الهلام "الجيلاتين" و الأصباغ السامة، فيتسنى لأي كان أن يعبث بها مشتتا لكيانها و كينونتها.
          السفسطائيون ربطوا كل الحركات بالفصاحة و أستعمال أصحاب الفكر الديمقراطي الفصاحة كوسيلة لتأليب الشعب على قلب الأوضاع. كلام واضح لكن هل حركات تدمير الفصاحة مقصودة لدرء هكذا خطر؟
           و يا عم "توماس مور" بالنسبة لجزيرة "يوتوبيا" أقول باختصار فعلا "المكان غير الموجود".
          و يا "توماس هوبس"، "اللوياثان" أصبح في كل مكان.
          جان لوك، اين انت يا رجل؟      
السيد كونج فو دزه أو "كونفوشيوس" في كتابه "التعليم الأكبر" ركز على أن الأسرة هي الركيزة في النظام الإجتماعي الطبيعي و "أحب لغيرك ما تحبه لنفسك"، يعني سبحان الله حسست أن "كونفوشيوس" يصف مجتمعنا تماما يعني الكل هنا يفيض "جن" و "لي" دخيلك لا تجنني، و أسأل أليس النظام الإجتماعي الطبيعي يحتاج لأسرة طبيعية؟
و للإختصار و إبعادا لملل الإسهاب، يحضرني قول "مكيافللي" إذا كان من الضروري لظهور موسى أن يكون الاسرائيليون عبيدا في مصر، و أن يضطهد الماديون أبناء فارس حتى تبدو شجاعة "كورش"، و أن يكون الأثينيون ممزقين متفرقين لتتجلى عبقرية "تيسيوس". أن تكون إيطاليا على ما هي عليه من أوضاع راهنة، و أن يكون أهلها مستعبدين أكثر من اليهود، و مضطهدين أكثر من الفرس، و ممزقين أكثر من اليونانيين، لا زعيم لهم، و لا نظام، مغلوبين على أمرهم، مسلوبة أموالهم، ممزقين، أذلاء. فإن من الضوري في الوقت الحاضر -وقت مكيافللي- الإعتراف بقوة عبقري إيطالي. تحضرني هذه المقولة لكن باستبدال الأماكن و الأزمان.
ختاما استشرف ما خرجت إليه من أن ليست الشعوب هي المندسّة. و لا يفوتني أن أعتذر من كل من ورد اسمه فيما كتبت، لكم مني كل الاجلال و الاحترام، لكن اعذروني فأنا واحد من هذا الزمان.
فارس غرايبة

Tuesday, 16 August 2011

آسف....لم أجد عنوان



منذ فترة وجيزة دعاني صديق للخروج معه إذ كان يزوره أحد معارفه، خرجنا في جولة مع ذاك الزائر في عمان، تعرفت على الزائر و عرفت أنه سوري مقيم في الرياض.
أثناء تجوالنا سألني الزائر هل أنت أردني أردني؟ فأجبته ببساطة، أردني حتى أجدادي الأربع من نفس العائلة، فما كان من ذاك الزائر إلا أن "جلّس" و تنحنح و غير نبرة حديثه، فبدأ يحمد بدماثة رجال الأمن العام و يشيد بنظافة شوارع عمان، و أنا بداخلي صدقا أضحك باكيا، حتى هذا استملكت تصرفاته و حديثه تلك الخزعبلات؟ من أين له أن يتحدث بهذه الطريقة و ما دافعه؟
نظرت إليه و قلت لا. نظرني مستغربا ما هو الذي لا؟ قلت له لا، لا يطريني كلام نفاق يحيد و يتلون حسب المجالس، لا أقارن بلدي بما هو دون، أقارن بلدي بما أتمنى أن يكون، حلم نعم حلم و لكن كم من الأحلام تتحقق، لا أقبل أن يقارن بلدي بشواذ الأمم و لا أقبل أن أقيس بمسطرة سالبة، و كما هو ولدي لا أقبل أن يكون فقط ناجحا بل إن لم يكن مبرزا أأنبه و أعاتبه خصوصا بعد الجهد و الجد و الاجتهاد، نعم حينما أرى أسم إبني على لوحة الشرف في المدرسة ينتابني شعور و كأن قلبي وصل بلعومي زهوا و فخرا.
نعم هكذا أحب بلدي و لا أقبل به أن يكون دون لوحة الشرف، بنفس الوقت إن تألم ولدي من وخزة شوكة لربما لا أنام الليل، و إن أغضبني أغضب منه لكن حذار حذار فأنا بنفس الوقت أكره من يقول لغضبي آمين.
عود إلى قصة ذاك الزائر، و لإستسخافي موضوع الحديث المدهون المعسول، سألته ما الذي يحدث في بلدك الآن؟ نرقب كل الأخبار، نتألم، نتفاءل، حدثني ما الصحيح؟ رد بأن كل ما نسمعه و نراه ليس صحيح و على حد قوله "ما في منو شي". و هنا رددت عليه أتريدنا أن نكذّب كل ما نرى و نسمع و نصدق شهادتك و أنت أصلا بحكم مكان إقامتك أبعد منا عن الحدث، و التفت إليه و سألته بنفس نبرته الاولى عن أصله من أي المدن في سوريا؟ فأجاب من اللاذقية، و "لأردها عليه" أقصد أن أرد عليه سؤاله اللابريء "أردني أردني"، سألته، و أعترف أن سؤالي لم يخل من الخبث، من هو الشيخ صالح العلي؟ رد و الاستفزاز باد على محياه، "أصلا الشيخ صالح العلي مو هو يللي كان صاحب السَورة، أصلا السَورة آمت من اللازءيه، و يللي كان آيدا جدي"، ابتسمت و عرفت كم للتاريخ بحياتنا أثر و جراح، و كم نتمسك و نتغنى به ربما لكوننا بلا حاضر. وصلت لمأربي و إن كان لبيبا فهم مقصدي من السؤال، مع شكّي، فكم أرسب التاريخ الهجين بالنفوس الضعيفة ضغائن صنيعة الغايات و المآرب.
كم جميل معرفة التاريخ للعبرة لا للعبور.

فارس غرايبة

Monday, 15 August 2011

حال و بأي عيد عدت يا حال


في صباح ذاك المساء البعيد، من زمن غابر سنتمدد فوق العشب الغض، تداعب افواهنا بعض كلمات تنساب عبارات لا نفهم من أين تأتي، نسمات وقحة تهب بين الفينة و الأخرى تداعب صفحات الوجوه و تتسلل بعضها تحت الرداء فتقشعر بعض شعيرات نامت منذ زمن، ينظر إلي نديمي و يعرض علي لفافة تبغ.
هيا أشعلها و انفث لن يشعر أحد صدقني أنظر كل تلك السحب و الغيوم تمر دون أن يكترث بمسيرها أحد.
أتدري الى أين تذهب السحب؟
نعم أدري، إمّا هي ذاهبة الى بيتها أو خارجة منه، كحالنا كلنا.
ما هذا التبغ؟ أهو تبغ أمريكان أم أفغان؟
يقهقه و يقهقه و من قهقهته عرفت الجواب، لا شك أنه ليس تبغ أمريكان.
بعد هنيهة من القهقهة المجنونة، فجأة تختفي الألوان، ما هذا من سرق الألوان؟ أسرقها من الأزهار و الورود و الاشجار أم سرقها من بين الحدق و المآقي تحت الأجفان؟
لا تخف ستعود الألوان، بعد قليل تعود لكن الأهم ان تدرك معاني الأشكال و الألوان.
يا صاحبي ما الذي يُغضب البحر؟
لِمَ؟ أهو غاضب؟
بالطبع غاضب من الشطآن، ألا تراه لا يكف صفعا لوجنات الشاطئ الحزين، مسكينة هي الشطآن.
ربّما هو غاضب لأن الشاطئ يكذب!
أيكذب الشاطئ؟
نعم يكذب ألا تراه يحدث أصدافه صبح مساء؟ إنه يعلّمها الكذب لتحدث كل من يسألها عن غدر الأزمان.
إذن هو إنسان.
من الإنسان؟
الشاطئ.....إنسان.
لا بد أن منتج الافغان فتك في لبك، الشاطئ إنسان؟
نعم، هو يكذب فهو إنسان.
يا صاحبي من قال أن الكذب صفة الإنسان؟
طبعا صفة انسان، أرأيت يوما أحدا لا يكذب؟
يا صاحبي الكذب من الشيطان و ليس الإنسان.
حرت و ربي من هو الإنسان و من هو الشيطان! إذا كان الكذب من الشيطان فكل إنسان يكذب شيطان، و كما أنّني لا أعرف من لا يكذب فكل من أعرف شيطان، أم أن الشيطان إنسان كاذب، أم أن كل كاذب شيطان، أم أن الإنسان شيطان و إنسان في آن؟
انظر تلك الغيمة كم هي سوداء.
كل الغيوم في الليل سوداء.
لا ليس كلها أنظر تلك الغيمة بيضاء.
نعم إنها بيضاء، و تتجه نحونا، و كأنها تلامس الأديم.
نعم و تقترب، اليست تشبه أمك؟
لا بل تشبه أبوك.
نعم تشبهه كثيرا، إنها أبي.
ماذا؟ أبوك غيمة؟ لو أدري ما أعطيتك تلك اللفافة، يا صاحبي ان كنت لا تحتمل لم تتجرأ؟
يا مجنون انها ليست بغيمة إنها أبي، أهرب أهرب.

 فارس غرايبة