كل يوم تزداد قناعتي بأننا نمر بأزمة وقت، لا
لقلته بل إمعانا بتصنّع التصرفات الزائفة حرصا على عدم إضاعته، فترى شاب مسرع
بمركبته يرتكب كل المخالفات المنصوص عليها و غير المنصوص عليها لأنه في عجلة من
أمره، إذ هو خارج إلى اللا مكان، أي أنه و بمصطلح الشباب يلفلف، رغم لفلفته لتضييع
الوقت إلا أنه حريص كل الحرص على أن لا يضيع وقته فيسرع ليلفلف دون إضاعة الوقت و
هدره دون فائدة.
نسرع و نحن من أكثر الشعوب إخلالا بالمواعيد،
نسرع و نحن من أقل الشعوب سرعة بالإنجاز هذا إذا إفترضنا وجود أي إنجاز، حتى و إن
كنت من القلة التي فعلا تحتاج الوقت لزيادة إنتاجيتك فلا أدري لم العجلة إذ عاجلا
أو آجلا ستصطدم حكما بآخرين، هم جزء من سلسلة حلقتك الإنتاجية، يضيعون ما استطعت
توفيره من وقت، معللين تصرفاتهم بالحكم القاتلة على شاكلة "كل تأخيرة و فيها
خيرة".
لأهمية الوقت في حياتنا لا يمكن أن نوقف مركبتنا
إلا على بوابة المكان المقصود تماما و إن كان خلف أحدهم فهو ليس بالعجلة التي نحن
بها و وقته ليس بأهمية وقتنا فلا ضير في أن أعطله.
على إشارة المرور تصعقك المنبهات من كل حدب و
صوب إذا ما بادرت الإشارة و أقتربت من بلوغ اللون الأخضر، حتى أن إشاراتنا الضوئية
ما عادت تعترف باللون الأصفر فباتت تقفز الى الأخضر فورا، فأنت لا تعلم كم الانتاج
المهول الذي ننتجه بثوان اللون الاصفر.
دائما نردد كلمة "نلحّق"، نلحق
مكان، نلحق قبل حلّة الدوام، نلحق قبل ما يروحوا، نلحق قبل الأزمة، نلحق قبل
ما تغيب الشمس، نلحق قبل ما تطلع الشمس، نلحق قبل ما تشتي، نلحق قبل ما تثلج، نلحق
قبل ما تشوّب، نلحق قبل ما تبرّد، نلحق قبل ما يسكّر، نلحق قبل ما يفتح، نلحق قبل
ما ينام، نلحق قبل ما يصح، نلحق قبل ما يخلصوا، نلحق قبل ما يبرد، نلحق قبل ما
يسخن، نلحق قبل ما تطفي، نلحق قبل المدير، نلحق نلحق نلحق و في ضياع الاسباب نلحق
حالنا.
حتى وصل بنا الحرص على الوقت أن نوصي الإمام
أن يكَوثِر بالصلاة، لا أقصد أن الوقت غير مهم، لكن أهمية الوقت تقاس بكم الإنجاز
لا بوفرة الفائض منه.
فارس غرايبة
No comments:
Post a Comment