كان عائداً مما اعتاد عليه من مسير في البرية القريبة، إلا أنه في هذا اليوم قد
أطال المسير فتأخر، و لما جن الليل خاف وحوش البرية فلجأ إلى كهف يقيه وقب الظلام
و خفاياه، و بعد أن أخذت عيناه تدرك حلوك العتمة رأى بصيص نور في آخر الكهف، سار
نحوه و خواطر ترعش الفؤاد تتدافع في الرأس، ما أن اقترب حتى أدرك شخصاً يجلس و
كتاب موضعه في حجره، يحيط به كتب و لفائف، شيخ بلغ من العمر عتياً، حالما أدرك ذاك
الشخص وجوده نظر إليه، تبسم، أشار إليه ليجلس قربه، اقترب بتوجس و جلس بعد أن
اطمأن، نظر بصمت تنقل بنظره بين ذاك الشيخ و كتبه و سراجه الوهاج.
أتائه أنت؟
كلا بل مستتر ريبة الغيهب، لكن ما
أنت فاعل هنا؟
كما أنت مستتر، مستتر روع جور، أنا
العطار الذي كان يصلح ما أتلفه الدهر حتى أتاه الدهر منتقماً فما استطاع لإتلافه
إصلاحاً.
أي جور أيها الشيخ؟
قل لي: أما زلتم حسب الهندام بعضكم
بعضاً تصنّفون؟ و عمي عن جواهر النفوس؟
بلى.
أما زلتم لتاريخكم بأنفسكم تكتبون،
و بعد ذلك تطالعونه بفخر و تصدقوا ما تكذبون؟
نعم، لكن من عليه أن يكتب تاريخنا
سوانا، أنستكين لما يخطه يراع الآخرين؟
بلى، لأنهم يرونكم بعيونهم و أنتم
تروا أنفسكم بقلوبكم، فهم يروا العيوب و أنتم بالهوى عيونكم عن العيوب غضيضة.
قل لي: أما زلتم لأغنيائكم بالسرقة
تتهمون و فقرائكم الحظ يلعنون، و تنسون أن رزقكم في السماء و إنه لحق كما أنكم
تنطقون؟ و حق المسكين و السائل و المحروم تنكرون رغم أنه معلوم؟
بلى، إلا من رحم ربي.
أما زلتم لسدنة معابدكم تقدسون و
تبجلون أكثر ممن أنتم بها تعبدون و قد أعلمكم أنها له وحده و أمركم ألا تدعوا معه
أحدا؟
آه أيها الشيخ، بلى.
أما زلتم إذا تعثر أحدكم، تتهامزون
تتلامزون و بعد ذلك تتضاحكون و يَد عَوْنٍ له لا تمدّون؟
نعم، نعم، صحيح، و قد ارتسمت على
فيه ضحكة كتمها بعد جهد.
أما زلتم خَلق الناس تنتقدون دون
أن أخلاقهم تختبرون، و لجهلكم لا تدرون بذلك الخلق أم الخالق تنتقدون؟ سبحانك ربي
عما يصفون.
للأسف نعم ما زلنا إلا بعض منا.
أما زلتم بالسرّاء تتجبّرون و
بالضرّاء تتضرّعون؟
بلى ما زلنا، إلا الذين يتفكرون.
أما زلتم في تعبدكم تتلفتون
لتعرفوا من هم حولكم و من إليكم ينظرون؟
أحياناً.
أما زلتم جبابرتكم إذا ما قتلوا
على يد غريب أبطالاً تعتبرون، و طغاة إذا ما قتلوا على يد قريب؟
نعم صحيح.
أما زلتم إذا ابتسم أحدهم لكم
تظنون به الظنون؟
نعم، إما يبتسم لغاية في نفسه أو
أنه مجنون.
أما زلتم تخافون مما تجهلون و
لمعرفته لا تسعون، و تبقوا تخافون و تجهلون و أحياناً تندبون؟
أما زلتم لكتب تكدسون و تجمعون،
فقط للزينة على الرفوف تضعون و هيهات لها تقرؤون؟
أما زلتم مع من يخالفكم تختلفون، و
تصمّون آذانكم و لا تستمعون؟
أيها الشيخ، بزغ نور الصباح و من
مدخل الكهف انبلج، ألا تأتي معي و تخرج من عتمتك هذه إلى النور ذاك؟
بني، بعد كل هذا، أتسمي ما أنت
ذاهب إليه نور؟ ذرني و كتبي فقد ملأني ذاك النور قنوط فعهدت لحياة القنوت، إذهب
أنت عسى أن تكون ممن رحم ربي.
دمتم بخير
كان عائداً مما اعتاد عليه من مسير في البرية القريبة، إلا أنه في هذا اليوم قد أطال المسير فتأخر، و لما جن الليل خاف وحوش البرية فلجأ إلى كهف يقيه وقب الظلام و خفاياه، و بعد أن أخذت عيناه تدرك حلوك العتمة رأى بصيص نور في آخر الكهف، سار نحوه و خواطر ترعش الفؤاد تتدافع في الرأس، ما أن اقترب حتى أدرك شخصاً يجلس و كتاب موضعه في حجره، يحيط به كتب و لفائف، شيخ بلغ من العمر عتياً، حالما أدرك ذاك الشخص وجوده نظر إليه، تبسم، أشار إليه ليجلس قربه، اقترب بتوجس و جلس بعد أن اطمأن، نظر بصمت تنقل بنظره بين ذاك الشيخ و كتبه و سراجه الوهاج.
أتائه أنت؟
كلا بل مستتر ريبة الغيهب، لكن ما
أنت فاعل هنا؟
كما أنت مستتر، مستتر روع جور، أنا
العطار الذي كان يصلح ما أتلفه الدهر حتى أتاه الدهر منتقماً فما استطاع لإتلافه
إصلاحاً.
أي جور أيها الشيخ؟
قل لي: أما زلتم حسب الهندام بعضكم
بعضاً تصنّفون؟ و عمي عن جواهر النفوس؟
بلى.
أما زلتم لتاريخكم بأنفسكم تكتبون،
و بعد ذلك تطالعونه بفخر و تصدقوا ما تكذبون؟
نعم، لكن من عليه أن يكتب تاريخنا
سوانا، أنستكين لما يخطه يراع الآخرين؟
بلى، لأنهم يرونكم بعيونهم و أنتم
تروا أنفسكم بقلوبكم، فهم يروا العيوب و أنتم بالهوى عيونكم عن العيوب غضيضة.
قل لي: أما زلتم لأغنيائكم بالسرقة
تتهمون و فقرائكم الحظ يلعنون، و تنسون أن رزقكم في السماء و إنه لحق كما أنكم
تنطقون؟ و حق المسكين و السائل و المحروم تنكرون رغم أنه معلوم؟
بلى، إلا من رحم ربي.
أما زلتم لسدنة معابدكم تقدسون و
تبجلون أكثر ممن أنتم بها تعبدون و قد أعلمكم أنها له وحده و أمركم ألا تدعوا معه
أحدا؟
آه أيها الشيخ، بلى.
أما زلتم إذا تعثر أحدكم، تتهامزون
تتلامزون و بعد ذلك تتضاحكون و يَد عَوْنٍ له لا تمدّون؟
نعم، نعم، صحيح، و قد ارتسمت على
فيه ضحكة كتمها بعد جهد.
أما زلتم خَلق الناس تنتقدون دون
أن أخلاقهم تختبرون، و لجهلكم لا تدرون بذلك الخلق أم الخالق تنتقدون؟ سبحانك ربي
عما يصفون.
للأسف نعم ما زلنا إلا بعض منا.
أما زلتم بالسرّاء تتجبّرون و
بالضرّاء تتضرّعون؟
بلى ما زلنا، إلا الذين يتفكرون.
أما زلتم في تعبدكم تتلفتون
لتعرفوا من هم حولكم و من إليكم ينظرون؟
أحياناً.
أما زلتم جبابرتكم إذا ما قتلوا
على يد غريب أبطالاً تعتبرون، و طغاة إذا ما قتلوا على يد قريب؟
نعم صحيح.
أما زلتم إذا ابتسم أحدهم لكم
تظنون به الظنون؟
نعم، إما يبتسم لغاية في نفسه أو
أنه مجنون.
أما زلتم تخافون مما تجهلون و
لمعرفته لا تسعون، و تبقوا تخافون و تجهلون و أحياناً تندبون؟
أما زلتم لكتب تكدسون و تجمعون،
فقط للزينة على الرفوف تضعون و هيهات لها تقرؤون؟
أما زلتم مع من يخالفكم تختلفون، و
تصمّون آذانكم و لا تستمعون؟
أيها الشيخ، بزغ نور الصباح و من
مدخل الكهف انبلج، ألا تأتي معي و تخرج من عتمتك هذه إلى النور ذاك؟
بني، بعد كل هذا، أتسمي ما أنت
ذاهب إليه نور؟ ذرني و كتبي فقد ملأني ذاك النور قنوط فعهدت لحياة القنوت، إذهب
أنت عسى أن تكون ممن رحم ربي.
دمتم بخير
2 comments:
good work
good work
good work
good work
good work
good workgood workgood work
good work
Post a Comment