Friday, 25 February 2011

إصلاح أم استصلاح؟؟


      حاولت أن أنأى بنفسي عن التطرق لهذا الموضوع إلّا أن حدث فردي عابر حصل معي اليوم، فما استطعت للنأي بنفسي سبيلا.
      ما من أسخف من شرطي السير الذي يقف بجانب السيارة المخالفة إلا الشخص الذي يهرول مسرعا يرجوه عدم مخالفته، و كأن الأول صاحب الحق بالإعفاء من المخالفة، و الثاني يسعّر كرامته بقيمة المخالفة، و المهزلة أن الطرفين يناديان بالإصلاح، إلا إني أرى إننا بحاجة لاستصلاح كلي (فردي و اجتماعي و معنوي و إداري و أكاديمي علمي و و و)، استصلاح و ليس إصلاح كي لا نفرّط بالحسن مما أنجزنا و نبني عليه بعد استخلاص الغث منه.
      الإصلاح لا يُستورد و لا يُستنسخ، الإصلاح ينبع من إشكالية بعينها تُطرح، و يكون على شكل تغيير بالمنهج أو المسبّب الذي أّدّى إلى حدوث الخلل أو الإشكالية، و وضع أسس جديدة بديلة واضحة ثابتة للسير عليها كمنهج بديل تمتاز بمرونة الآليات و ثبات الهدف، و تتمتع بقوة عقابية رادعة صادقة للحيلولة دون تكرار الانحراف و الوقوع بالإشكالية مرة أخرى، الذي بعد ذاك سيكون عصي الحل لتمتّع المنحرف بالمناعة الطبيعية ضد سبل التغيير التقليدية.
      أحدثكم عن حوادث شخصية عشتها بنفسي، هي و أمور كثيرة أخرى حثّتني لاستنتاجي بحتمية استصلاحنا على الصعيد الفردي أولا، حوادث أستقرئ منها بعض ما يتمتع به قادة الإصلاح، أقول بعض و ليس كل، كون بعضهم لم يتسنى لتجربتي معرفة أي مما يتمتعون به من صفات، و بعضهم صادق بريء فوق الشبهات. كنت عائد من رحلة إلى لندن عاصمة الاستعمار و شريك الامبريالية، و صدفة كان على متن الطائرة شخص اشتهر بعفلقيته المستفحلة و التي تسري في عروقه أينما التفت، نزلنا مطار الملكة علياء، و كان النظام المتّبع في المطار تلك الأيام تأجير عربة الحقائب بنصف دينار، مع إستسخافي لانتهازية ذاك الأسلوب، إلا أن الأخ المناضل كان يسير و زوجته أمامي، وقف عند العامل المسكين الموكل بقبض الأجرة و تسليم العربات، و ما أن طلب نصف الدينار من الأخ إلا و استشاط مناضلنا غضبا و انهال على العامل المسكين بسيل من التنظيرات المتكلّسة، و لمعرفتي المسبقة بخلفية الأخ السياسية، فسّرت و بتقدير ذاك التصرف انه نابع من مبادئ سياسية ثابتة لا تحيد لمناضلنا الكبير، غلبني الشوق لأهلي و الأحبة، فبادرت بإعطاء العامل دينار لعربتين واحدة لي و أخرى لمناضلنا كي أسهل خروجي متعجلا، توقّعت من مناضلنا الرفض كونه يعترض على المبدأ أو اضعف الإيمان أن يستفسر عن سبب تصرفي أو هويتي، إلا إن أي من ذاك ما حدث أبدا و اخذ عربته المأجورة، و ما بدر منه أي بادرة و لو إيماءة شكر، على كل حال الشخص موضوع الحديث هو الآن وزير في وزارة أزمة الإصلاح الحالية.               
      تجربة أخرى تخص كاتب نضالي احتضنته مهاجع السجون أكثر من فراش بيته، ما حاد قلمه عن النقد و المطالبات اللينينية الحمراء هذه المرة، إلا انه و بعد أن استؤجر بمكافأة أتت بلباس جائزة حكومية تقديرية، كسر قلمه الرصاص و ما عاد يعرف الكتابة إلا بقلم مُذهَّب يمتاز بنعومة الخط و وضوحه.
      تلك بعض حوادث مما عايشت، لن أُكثر خشية الإطالة عليكم، لكن الإصلاح إن لم يكن استصلاح شامل من الفرد أولا مرورا بالمجتمع و ما يتفرع منه ككل، فما هناك من معنى لقوانين تسن للطباعة و النشر فحسب، فلينظر كل منا إلى نفسه و كيف يتصرف و يفكر، كيف ينظر لغيره و يظن و يفسّر، كيف يتلوّن و ينقلب و يتصنع تبعا لمكانه، من يقابله، ما يرتدي، و ما يركب، حتى على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك و تويتر) تنحرف تعليقاته و مشاركاته حسب مَن هم أصدقائه أو مشاركيه، كيف أن انفصام شخصياتنا وصل حتى ليكون لكثير منا حسابين على هذه المواقع بشخصيتين مختلفتين كل الاختلاف حتى بجنس المستخدم.

فارس غرايبة

No comments: