Tuesday 31 May 2011

طز مرة ثانية


بعد عسر بالالهام و انكفاء متمخض عن احباطات متراكمة، أعاود الكتابة لا لأمر بل لزحام متخبط برأسي، فكم مانعت نفسي الكتابة لحموضة تلوي الأضلع بشعور اللا فائدة، إلا أنني أعاود إزعاجكم ببعض مما تراكم بخلجات اللب قبل أن يستحيل تصدعا و أرقا.
اسمع من حولي كثيرا من الشعارات، منها ما يطالب بالمواطنة و أخرى بعدم التمييز و غيرها باستكمال حقوق منقوصة، لكنني أرى أن نطالب بداية بإنسانيتنا، نعم إنسانيتنا فأنا الآن أداعب حروف هذا الجهاز على نغمات تصدح و تصدع من فندق قريب به حفل زفاف، أود أن اعتذر من صاحب الفرح، لأنني لا أفكر الليلة بأن اشغل جهاز التكييف، لأغلق النافذة، كي لا أسمع هذه الأغاني التي يراها البعض جميلة لكن عذرا منذ زمن ما سمعت ما يستحق هذه الحاسة، حتى بت أفكر بالاستغناء عنها اقصد حاسة السمع، و بعد قليل سيبدأ القصف العشوائي بالألعاب النارية التي تهز بيتي هزا خصوصا في ليالي الخميس، عذرا لدي أطفال ما زالوا يتمتعون ببعض براءة لم تغتصبها وحشية الزمن، فينامون بلا هم أو غم باكرا حتى بأيام العطل، هل كثير أن أطالب بحق أبنائي بالطفولة و إطالة أمد براءتهم؟
منذ مدة وجيزة احتجت لبعض الوثائق من جهات حكومية و غير حكومية، فانتابني ليس شعور بعدم إنسانيتي بل غمرني شعور "بحشريتي"، قصدي شعور أن تكون حشرة، كيف يمكن للعقم أن يصل لهكذا حد؟ استعنت بموظف لدي لمتابعة الإجراءات، قدّم طلب و أنا أقف بجانبه، سأله الموظف هل أنت صاحب العلاقة؟ فأشار له أنني أنا الواقف بجانبه صاحب العلاقة، فصاح الموظف: يا أخي صاحب العلاقة يناولني الطلب، ممنوع يا أخي. تدخلت بابتسامتي المعهودة الناتجة عن جملة من الاستغرابات، فأجابني الموظف بعد إعرابي عن استهجاني إذ كنت واقف بجانبه، و ما الفرق فيمن يناولك الطلب؟ فكان الرد: يا أخي من يومين ضُبطت عملية تزوير و نصب و احتيال بالملايين. فازدادت ابتسامتي عرضا تناسبا مع استهجاني، كيف بسبب ثغرة أو موظف فاسد مرتش تعاقب كل المواطنين بتعقيد الإجراء بعقم و سلخ التشريع عن الهدف من فرضه؟ لن أطيل عليكم حصلت على سند تسجيل واحد ذاك اليوم بطوله، على أي حال عدت و استصدرت تفويضا لمن يتابع الأمور بالنيابة ليس لأمر إلا لأنني أخاف على صحتي. و للأمانة باليوم التالي ذهبت إلى دائرة الأحوال المدنية و استصدرت أربع عشر وثيقة بين جوازات سفر لأبنائي و تجديد جواز سفري و شهادات ميلاد و أخرى، كل ذلك خلال اقل من ساعة من ضمنها ما أخذته الطريق من وقت. كيف؟ كيف يكون الإجراء هنا سهل و سلس و مُحكم لا يقبل الخطأ و هناك عقيم و مُحبط و معقد؟
ممنوع من الإدارة..... جملة نسمعها كثيرا، لا ادري أهي للهروب من النقاش أم فعلا ترى الإدارة أن من حقها التشريع من تلقاء نفسها؟ الموضوع أثارني حينما دخلت في أحد المرات النادرة محل تجاري لأتسوق لابنتي مضطرا، فكان صوت الموسيقى مرتفع لدرجة أني ما سمعت ردود البائع، و بعفوية طلبت منه أن يخفض صوت الموسيقى، فكان الرد "ممنوع من الإدارة" فورا غادرت المحل غير نادم أو آسف، استذكرت بعدها حادثة في واشنطن، إذ كنت انوي السفر بالقطار إلى ديترويت، لكن للأسف تأخرت عن موعد القطار دقائق، فأعلمتني الموظفة بتأخري، فأصررت على أن أكمل، و نظرت من حولي فوجدت ذاك الرجل و بيده جهاز لاسلكي و بسبب رواسب حياتي، ذهبت إليه لعله يفعل شيئا!! كأن يدخلني من هنا أو هناك!! فهو يحمل جهاز لاسلكي و كلنا أو على الأقل من بسني يعلم ما يوحي به جهاز اللاسلكي، فقال بكل بساطة: القطار تحرك، فاعتلى وجهي نظرة بؤس و حزن فيها كم هائل من الاستعطاف و ملامح الرجاء الصامت، فاخذ بيدي إلى القطار يغمرني شعور ممتزج بين الفرحة و النصر، إذ وجدت واسطتي صاحب النفوذ اللاسلكي الذي سيوقف القطار اللعين الأصم عديم المشاعر الذي كان سيغادر تاركا إياي خلفه وحيدا، فبعد أن اقتربنا من رصيف الركوب نظر إلي ذاك الشخص و قال: ألم تقل لك موظفة الاستقبال انك تأخرت؟ انظر بنفسك ها هو قطارك، ألا تراه يسير؟ تلك اللحظة أدركت كمُّ السذاجة التي تحيطنا لأفكار توارثناها، بحثت بقاموس انجليزيتي المتواضعة عن رديف لكلمة "بتمون" كي أعبّر له عن خيبة أملي بأني اعتقدت أنّك "بتمون أن توقف القطار" إلا أن قاموسي خذلني و تأجّل سفري لليوم التالي.
اسمحوا لي أن أخرج عن عادتي بتجنب بعض الجدليات خوف اختلاط الجدل بالدجل، أمور و تصرفات جمّة حولي ما عدت أفهمها. كيف نعتبر أنفسنا موحّدين و نحيط أنفسنا "سامحني يا ربي" بكمّ مهول من المستألهين؟ نعم لا يخالجني شك أن ذاك الذي يسفك دماء شعب أعزل بأطفاله و شيخه و شبابه لأجل بقائه فوق الجميع قد ألّه نفسه و استألهه مَن حوله.
في الوقت الذي شد أذهان الجميع ادّعاء أحدهم أن لديه تسجيل لرئيس وزراء مع احد الوزراء عن قضية تشغل كثيرين، ما لفت انتباهي و استنبع تساؤلاتي ليس فحوى التسجيل أو من هم الأشخاص المعنيين، بل كيف استطاع شخص عادي أن يسجل لرئيس وزراء يحدّث وزيرا؟ و كيف أن جُل اهتمام السلطات بما اعتقدوا أنّه ينقص ذاك المدّعي و هو الأمان و الحماية، و كأني استذكر مدير مدرسة يناجي احد الطلاب محفزا إياه بأنه لن يضربه، فبات الترغيب زوال الترهيب.
الآن ينحصر تفكيري بوقت انتهاء حفل الزفاف، فهاهو الليل قد انتصف كما الأسبوع انتصف، و الإزعاج مستمر للأسف.
فارس غرايبة

1 comment:

siko27_9 said...

للأسف هذه حالنا وواقعنا الحاضر والماضي وأخشى من أن يكون المستقبل ...

يعجز اللسان عن التعبير والإفصاح عن المشاعر التي تلوج في نفسي عند المقارنه بين ما نواجهه في بلاد الغرب من معاملة حسنه ونظام ودقة وبين للأسف الحال هنا ....

صح لسانك أبو سليم