أغتم كلما طالعتني أنباء محيطنا، و يلفني البؤس مما آل إليه حالنا، دماء و قتل هنا و هناك، و كأن شياطين الانس و الجن انهالت علينا من كل حدب و صوب، أو أننا بتنا كمن سقط في برميل يدور و يدور باحثاً عن الزّاوية، أو كمن يجلس بالظلام و بيده عود ثقاب و شمعة و يتغنّى بعشق الليل لمكابرته عن الاعتراف بعدم معرفته كيف يشعل الشّمعة.
أقرأ فيلفت انتباهي مقولة "سلطان ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم" لن أخوض بالمقولة، لا بمطابقتها للأزمان و الأحداث و لا بصحة المقولة و مصدرها و مناسبتها و ظروف قائلها، لكن لم استطع منع نفسي من الخوض بما بين حروفها، و زخم المقولات من هنا و هناك و كأنها مُنزلة لا جدال و لا نقاش بها، و بين ثنايا هذه المقولة يستميلني الهوى لتفسير ما انطوى بها، و كثير مثلها، و كأنما كُتب علينا أن نحيى إما بكنف سلطان ظلوم أو غشوم أو ظلوم غشوم و إلا سقطنا في غياهب فتنة تدوم و تدوم، و لا خيار لنا إلا هذه البدائل، يحزنني قرب ذاك من الواقع لكن إن سارت الأحداث باتجاه يواكب المقولة هل يُعد ذاك اثبات صحتها؟ أم أنها لا تتجاوز باب إن صدفوا؟ أم أن من يسعون بحثاً في بطون الكتب لاستخراج ما فصح من عبارات لتوليفها كي تصبح بمقام العبر يستبقون الأعذار؟ كما استبق يعقوب اخوة يوسف بأن مهّد لهم العذر قبل اقتراف الجرم "قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ"
تزخر ثقافتنا بالمقولات هنا و هناك، و المصيبة أن هذه المقولات لا تظهر إلا بعد و قوع الواقعة، فكأننا لا نستفيق إلا بعد وخز الألم فنبدأ بحوثنا غوصاً في مآثر الأزمان، لا أدري لِمَ كُتب علينا أن نعود إلى الماضي لنحاول فهم الحاضر و لم نتجرأ يوماً أن نستقرأ المستقبل و لو القريب منه، دائماً هناك عبارات جاهزة لكل مناسبة نستثني و نقصي منها ما نشاء و نستحضر ما يوائم المراد، و كأننا نعيش خارج حدود المنطق و باتت معارفنا كبندول الساعة يذهب من هنا إلى هناك ثم ما يلبث أن يعود مرة أخرى من هناك إلى هنا، و نخاف إذا ما تجاوزناه أن يفنى الزمن.
ما زلنا نربط كل مصباح بجني، و كل خرابة بعفريت، لا يمكن أن أطلب أي شيء من جني اتخذ من مصباح بيتاً له، أو أصغي السمع لمحدّثة ودع أو ضاربة رمل و أنا أرى حالها.
دمتم بخير.
No comments:
Post a Comment