Thursday 31 January 2013

كشة


أيام شبابنا حينما كنا نناهز المراهقة، كنا نسري كل يوم إلى مدارسنا باكراً، كل فترة و أخرى كان هناك خصلة من الشعر تتمرد و خصوصاً تلك التي في أوسط الرأس و في أعلى نقطة به، تبقى تلك الخصلة واقفة منتصبة لا تطيع لا مشطاً و لا لصقاً و لا بصقاً، تضيع لحظات الصّباح الثمينة في محاولة تطويع تلك الخصلة المارقة، أمام المرآة نحاول و نحاول خصوصاً أن ما يسمى "جل" لم يكن متاحاً، حتى أن الأمر كان يصل بنا إلى محادثة تلك الخصلة و مفاوضتها حتى تعود عن تمردها و تنتظم كما ينتظم الملايين من أقرانها من الشعر، علماً أن لا شك في أن من يحاور خصلة شعر مجنون، إلا أن كل تلك المحاولات كانت تبوء بالفشل، فنعمد إلى بعض ماء في الحمام و كون أيام الدراسة دائماً تكون في الشتاء فيمكننا جميعاً تخيل التضحية التي نقدمها حينما نبلل شعرنا بذاك الماء البارد صباحاً، إلا و أنه ما أن تجف تلك الخصلة حتى تعاود تمردها انتصاباً، يدركنا الوقت، تبدأ الصيحات من هنا و هناك بتعجيلنا، نرضخ و نخرج و نحاول بالأثناء الضغط بيدنا على تلك الخصلة، في مسيرنا نبحث عن أي مكان يعكس صورتنا علّنا نتفقد أحوال خصلة الشعر، واجهات المحال، زجاج المركبات، و في كل مرة لا نرى سوى تلك الخصلة، نعاود الضغط عليها، نصل المدرسة، نحاول تناسي تلك الخصلة، إلا أن الأمر لا يكون بتلك السهولة فكل من نحادثه من الطلاب أو المعلمين و كأنه لا ينظر إلا إلى تلك الخصلة و فقط تلك الخصلة، نعاود وضع يدنا عليها، في الحصة لا نستمع إلى أي شيء منها لأن تفكيرنا مشغول بسبل حل معضلة الخصلة، إرضائها معرفة الأسباب الكامنة وراء انتصابها، و بعد حصص متتالية من العصف الذهني و استنزاف كل الطاقات الفكرية في التوصل لمعرفة الحلول و الأسباب نتوصل إلى ضرورة قص تلك الخصلة الخارجة عن الجماعة، لكن أثر القص سيظهر كحفرة في أعلى الرأس و ستبدو كمن أصاب رأسه جرب أو ثعلبة، و لخوف العدوى سينفر من حولنا الخلّان و الأصحاب، يالهذه الخصلة اللعينة قلبت علينا حالنا، أضاعت علينا وقتاً ثميناً، أرهقتنا بصمتها باصرارها و عنادها، أنذهب إلى الحلاق ليقص لنا كل شعرنا؟ و نضحّي به لأجل هذه الخصلة؟ و نصبح مصدر تندر و تهكم الصديق قبل العدو؟ و في خضم ذاك الزخم من الأفكار البسيطة منها حتى الشيطانية، و تقليب الحلول السلمية حتى التعسفية حتى درجة العقوبة الجماعية لجماهير الشعر، ننام و في اليوم التالي نناظر صورتنا في المرآة صباحاً، لا نرى أي أثر لتمرد تلك الخصلة، تصبح مطواعة منخرطة في صفوف جموع خصل الشعر، منسابة كبقية أقرانها، دقائق و ننسى أمرها الذي كان بالأمس و حتى ننسى الشعر كله.

لا أدري هل هكذا هم يفكرون بنا، كما لا أدري إن كان الأسد يعلم أنه ملك الغابة أم أن البشر فقط يعتبروه كذلك.

No comments: