Saturday, 13 November 2010

المستدفنون في الأرض


      بقصد أو بدون قصد، بمعرفة و ترتيب أو بجهل و استجهال، أصبحنا دون الدون من بين الشعوب، أصبحت كعربي تستجدي من كل الأمم معونة أو نظرة عطف، حتى لم يبقى بقعة على سطح الأرض إلا و تحتاج تأشيرة لدخولها، و تقف بمهانة في طوابير على أبواب السفارات تستجدي القبول، و كأنك دون الشعوب أو حتى لم تصنف كإنسان، لم يبق مكان إلا و ترانا نسعى للهجرة إليه شرقا و غربا.
      إذا ما تصفحت المواقع الالكترونية، تجد إعلانات باللغة العربية محصورة في ثلاثة مواضيع، أولها إعلانات عن صفحات الدردشة و التعارف البريء و غير البريء، ثانيها إعلانات عن تسهيلات الهجرة إلى كل أصقاع المعمورة، و ثالثها إعلانات الأبراج و ما تخبرك به عن أشكال حظك البائس و عن المصيبة الآتية إليك.
      أما الفضائيات، إن كنت تبحث عن برامج في المحطات العربية، فلا تجد إلا شيئين، و كأنما حكم عليك انك لن تستوعب إلا واحد منهما، فإما أغان و راقصات، كلها مصورة لمغن يغني بالعربية اهزل الشعر و أسقطه بلغة ركيكة، يركب مركبة فارهة لا تجد مثيلتها بمعظم دولنا العربية، أو بجانبه فتاة نادرة الجمال، عبث بها مشرط جراح التجميل أعوام و أعوام حتى هي نفسها نسيت ما كانت عليه صورتها، و كأن حتى أحلامنا انحصرت بالمركبات و الفتيات و للأسف هذا واقع و صحيح. و إما المئات من المحطات تكتظ بالشيوخ بكل لون و فكر، و تستشعر الحرب الضروس بين نوابغ التحليل و التحريم تنفيرا و ترهيبا، و جل نقاشاتهم تنحصر برد على الشيخ الآخر و نفي لما نقلوه عنه في المحطة تلك، و نقاشات عن كيفية رفع الأذان حتى أن الناس ما عادوا يعرفون لم يُرفع الأذان، فما لي و كيفية الأذان أليس الأجدر أن تحبب الناس بالصلاة أولا، كم جميل لو أن احدهم استبدل شعارات النار و دخولها، بالجنة و عدم دخولها، فمن أدرك سيفهم انه إن لم يكن في الجنة فسيكون في النار، لأنهما اثنان لا ثالث لهما، فإن كلمة ليس صادق مقبولة بينما كاذب منفرة و مغضبة.
      أما أخبارنا فتزخر بالمصائب من كل حدب و صوب، فلا تسمع عن أي حروب إلا في بلادنا، و ما تسمع عن تعسف و قهر يقع على غير أبنائنا، فيخرج لك من يحاورك بأننا مستهدفون، و كأن بقي أحد من الغباء ليستهدفنا، فما الداعي فهناك منا من توكل باستهدافنا ليل نهار، و كل مصيبة لا تأتي إلا من الخارج فذاك أصبح ذريعة لكل فشل و تقهقر نجنيه على أنفسنا.
      استحقرتنا كل الأمم، حتى كل ما يُنتج لنا في هذه المنطقة يُصنّع بمواصفات أدنى من أي مواصفة، من المنظفات إلى الكهربائيات و المركبات، حتى بطارية الحاسوب المحمول فهي لا تعمر كالتي تُصنع لهم، و أكاد اجزم أننا في تصنيف المواصفات لسنا حتى بالدرجة الثالثة لا بل دون ذاك بكثير، ناهيك عن التكلفة، فكيف يعقل أن ارزح تحت وطأة هذا الكم من الضرائب و بدخل دون مستوى الإنسانية أن تكلفني سلع الحياة الأساسية أضعاف ما يتكلفها أي شخص يعيش في تلك الدنيا؟  
      أمّا المعرفة، فكأنها من كوكب آخر، تسقط علينا كسفا من السماء، غريبة عنا بكل أشكالها، حتى مناهج تدريس أطفالنا نستوردها، و نبسطها تبسيطا لدرجة أننا نسلخ كل مفيد بها، و المؤسف إننا سلخنا عنها ما يخصنا و استثنينا كل ما يعزز بقايا ثقافة تمسك البعض بها، فما وجدت بكتاب ابني أي ذكر لفلسطين، لا بكتاب اللغة العربية و لا بكتاب الجغرافيا، فاستذكرت جمال كتابي في المدرسة، نعم كان مستهلك لأننا كنا نتوارث الكتب من الصفوف التي سبقتنا، نعم كان بلا غلاف رغم كل ذلك كان جميلا، كنت اقرأ فلسطين داري و درب انتصاري، و بحثت في المنهج المستحدث لا الحديث فما وجدت إلا عن آداب المرور و نظافة الأسنان.
      هل هناك من احد يصحُ معي؟ أم أننا لن نصحوا إلا على أصوات عويل الثكلى و صراخ المقهورين، أننتظر الويلات لينبهنا الألم، ماذا لو لم نصحوا؟ أهو سبات أزلي أم هناك من بوق نفير؟ أم أنها محاولات توأد باكرا فيبات صراخها كالنعيق؟ أم أن أبواق الجهلة ستعتبره مجرد نقيق ضفادع يحيا مع موسم الإخصاب لوهلة سرعان ما يزول؟  

فارس غرايبة

No comments: