Thursday, 30 December 2010

عيّدت


      في الهزيع الأخير من عام آخر ينصرم، و كثير يحذوهم أمل في العام الجديد أن يكون خير من سابقه، أو اضعف الأماني أن لا يكون بالسوء نفسه، و الواقعيون منا يرجون أن لا يكون أسوأ، أما أنا فأتمنى أن يحل علينا الإلهام و نتحرر من بعض العبارات و الصور النمطية المتكررة، عفوا فقد مللت التكرار.
      منذ أن بدأت أسمع و أدرك، فالصورة هي هي ما تغير بها إلا هندام أبطالها، فليلة رأس السنة منذ أن وعيت الصور فهي ذاتها، بعض من المبتسمين بوعي أو بدون وعي يرتدون طرابيش مخروطية ملونة بزهو كالتي يعتمرها الأسطورة جحا، و بعض يصدرون ضجيجا بصفارات مزعجة إلا بتلك الليلة، و آناء منتصف الليل تزدحم كل الشوارع، صدقا لا أدري من أين تأتي كل تلك المركبات، و أحتار من أين يأتي راكبوها، و إن كان كل هؤلاء يجوبون الشوارع من إذا بالحفلات؟ 
      تلك الليلة يطل علينا صاحب الإلهام الخارق المخياط، و صاحبة السر الدفين شوربة سعيدة، يمطرونا بوابل من التنبؤات بثقة فجة، فينبئنا الأول بزلزال يضرب الأردن، زلزال سياسي و ارضي، و إصابة احد رموز السلطة بأنفلونزا البطاطا مما يؤدي إلى تدهور سعر صرف الدينار و ارتفاع نسبة البطالة، أما عالميا فموت احد الرؤساء العرب و استلام ابنه السلطة من بعده، و كأن هذا الأمر يحتاج إلى تنجيم، و الثانية تأتي بالتفصيل، أما برج الثور فيتأثر في الربع الأول من العام بكوكب جوبتور كونه تور، و يستمر التأثير حتى الساعة الرابعة و خمس دقائق من اليوم الرابع من شهر نيسان / ابريل، إذ ينتقل جوبيتور إلى مدار الحمار، أما من الناحية العاطفية فالفرصة قوية جدا لبدء علاقة ابتداء من الحادي عشر من شهر حزيران / يونيو، تنتهي هذه العلاقة إما بالانهيار بسبب الإفلاس أو ذهاب الفتاة ضحية جريمة شرف.
      و على مدار العام، العبارات نفسها، فبعد رأس السنة بأسبوع تقريبا تمطر السماء، فيباغتنا السيد المسئول باستنتاج نابع عن دراسات معمقة و مستفيضة إذ يفيدنا بان هذه الأمطار، أمطار الخير، تبشر بموسم زراعي جيد، و كأن هناك أمطار لا تبشر بموسم زراعي جيدّ!! و تداهم السيول الحارس بُرعي في سرداب عمارة في الصويفية، و تحاصر السيول عقلة و أغنامه في البادية الشمالية الجنوبية من البادية الشرقية، و هناك دائما من يتصل شاكيا عن تجمع المياه بشارع الشماتة لان جاره اللحام أغلق فتحات قناة التصريف بكيس بلاستيكي اسود (كيس زبالة) لمنع الفئران.
      في بداية الصيف يصرح عضو سابق بالبرلمان الهولندي بعبارة مسيئة عن قطر و استضافتها لكأس العالم، فتجتاح الأمة موجة عارمة من حملات المقاطعة للبقر الهولندي، و كل منتجات الألبان و لحوم البقر، و يستفز وزير سابق بالحكومة الإسرائيلية بتصريحاته حول قناة السويس، و يخرج وزير الخارجية الفرنسي عن صمته و يعلن أن قناة السويس مسجلة كعلامة و براءة اختراع لديليسبس، و مهما حلقت طائرات معادية في أجواء دولة شقيقة فإن تلك الدولة تحتفظ بحق الرد بالوقت و الطريقة المناسبة، أما هنا فيبدأ أبو محجوب بصوت زهير النوباني بوصاياه عن كيفية المحافظة على المياه، و تستمر أمانة عمان بزراعة كل ما يحتاج إلى كميات جارفة من المياه يوميا لتجميل جنبات الطرق، و كأن من يطوف الشوارع يمكنه أن ينظر إلى شيء سوى الشارع ليتابع أخبار المطبات و اكتشافها و تفادي رعونة الآخرين.
      أما نهاية العالم، فاذكر و بصورة ضبابية شيء عن (سكاي لاب) و أين سيسقط و مذنب هالي و زحف جليدي و انحسار جليدي، و تشيرنوبل و مفاعل ديمونا، و الآن المايا لم يستطيعوا التنبؤ بغزو الأسبان و لا اندثار حضارتهم، إلا أنهم استطاعوا التنبؤ بنهاية العالم، حتى أن المايا أنفسهم و حسب معتقدهم لا يوجد ما يسمى نهاية العالم إذ أنهم يعتقدون بانتقال العالم من حقبة إلى حقبة أخرى، بضم الهمزة أو فتحها.
      في الختام اكرر أمنيتي بأن يأتي علينا العام الجديد و يحل علينا الإلهام و نتحرر من التكرار بالعبارات و التصورات، و أتمنى لكم جميعا عاما جديدا كليا، و كل عام و انتم بخير.

فارس غرايبة

Sunday, 26 December 2010

سخرية الألم


      اعتاد مسكين على زيارتي بين الفينة و الأخرى، يحدثني عن أحواله، رغم أني لا ارغب بالحديث عن علاقتي به إلا و للتوضيح فقط، فقد دأبت على مساعدته بما أستطيع.
      أحمد لطيم ما عرف أبويه، إذ تربى و أختاه في ملجأ الأيتام حتى بلغ سن مغادرة المكان، فسعى أن ترافقه أختاه في الحياة خارجا، و كان كما أراد، و ذهب و استأجر سكن لهم جميعا كان عبارة عن غرفة متهالكة، عمل جاهدا لتجميع بعض قطع الخشب و الصفيح من الجوار ليسد فتحة كانت اعتبرت باب تلك الغرفة التي بالكاد تصلح للعيش الآدمي.
      كان بالملجأ لا يعبأ بمتطلبات العيش البسيطة، من طعام و بعض لباس، أما الآن فهو يحتاج لإيجار و طعام و وقود للطبخ و التدفئة، حار أحمد الذي ما تأهل يوما لأي عمل، فما كان أمامه إلا العمل كبائع على بسطة متواضعة في أي مكان، و بنفس الوقت كان يحصل على أربعين دينار معونة من الشؤون الاجتماعية، بعد أن تمكن بعد عناء من شراء بعض ما يعرضه على بسطته ليبيعه، صدم بمصيبة جديدة كانت بمقدارها مصيبة المصائب له، رسوم ترخيص البسطة، و البالغة لسخرية الألم أربعون دينار كذلك، فهاهو أحمد ينتظر الشهر التالي ليستلم المعونة التي سيعاود دفعها ترخيصا لبسطة الحياة، و انتظر الشهرين دون أي دخل فالشهر الأول اشترى البضاعة و الشهر التالي ليدفع الرسوم، و يعلم الله كيف عاش هو و أختاه تلك الأشهر، و كان كما خطط فاستلم المعونة و دفع الرسم و افتتح أحمد بسطة الحياة، كله أمل و طموح، كيف لا و هو يحلم منذ شهرين بمشروعه الذي ما وجد سبيلا لغيره.
      بعد مدة تعرض أحمد لمشاكل صحية إذ شخصت حالته بمرض بالقلب، و ما كان أمامه إلا أن تعطل عن بسطته التي كان ليؤمنها يوثق ربطها بجنزير من الحديد و قفل بأحد محال الخضار القريبة كلما أقفل عائدا إلى بيته، و لغيابه بسبب المرض جاء أحدهم ليلا و سرق بسطته التي كانت عبارة عن عربة خشبية تسير على ثلاثة عجلات، و فوق علته المسكين ألمت به مصيبة فقدانه لمصدر رزقه الوحيد، وعاد أحمد إلى ما دون الصفر.
      عاود و بإصرار المستميت، كيف لا فالموت جوعا و الضياع مآله دون ذاك، و وفر من معونته لشهر واحد هذه المرة إذ كانت لديه البضاعة و الترخيص إلا انه لملم شتاته ليؤمن ثمن العربة الجديدة، و بدأ أحمد من جديد.
      مرت سنين و سنين و كبر أحمد، في تلك الأثناء كان قد تعرف علي، و أتاني يوما يعلمني برغبته بالزواج، إذ أن إحدى أختيه كانت قد تزوجت و بقي هو و أخته الصغرى، و أعلمني أن هناك فتاة تحدث مع والديها خاطبا فأجابوه قبولا، فباركت له و هنأته، و تزوج أحمد بعد فترة قصيرة من حديثي معه من تلك الفتاة.
      مضت اشهر حتى عاد لزيارتي، هذه المرة كان أحمد يكاد يطير فرحا، فدخل إلى مكتبي مغتبطا و يبكي فرحا، و بصوت عال و ببساطته المعهودة صاح أحمد: باركلي، فباركت له مستفهما عن الأمر، فأجابني أحمد: الله الله يطول عمره يا ربي. استفسرت: مَن و ما الموضوع يا أحمد؟ فأجاب: الملك ..... الله يا ربي ..... أنا بحبه، أعطاني بيت، بيت فيه أكثر من غرفة حتى فيه حمام داخل البيت، و الله يا ربي يطول عمره. و اخرج أحمد مفتاح البيت من جيبه و أوراق ملكيته، و طلب مني صورة للملك ليعلقها على الحائط بالبيت.
      بعد فترة أتاني مغتما متألما مهموما و شعرت بحسرة في ملامحه، حدثني عن الخطب إذ أن أخته المتزوجة تطلب الطلاق، لأمر استحلفني كتمانه فما أستطيع أن أقول إلا انه أمر لا يطاق اشمأزت له نفسي و اقشعر لوصفه الأحداث بدني، و كأن الفرحة تهرب من أحمد، أو أن بينه و بينها عداوة أو أنهما ضدان لا يتفقا.
      مرت فترة حتى عاود زيارتي، و في هذه المرة فرحة خوف تعتري وجه أحمد، و بصوت خجول كمن اقترف الذنب اللذيذ، و بصوت منخفض أعلمني أن زوجته حامل، و علت وجنتاه حمرة خجلة و ارتسمت على فيه ابتسامة منتصر، كان هذه المرة يحدثني و في أنفاسه نضوج غريب، و فيض من رجولة استمدها من إثباتات حسية ملموسة واقعية لا مجال للشك بعدها فها هي زوجته حامل، يعلم الله كم عانى المسكين الهمز و اللمز لتأخره بإتمام هذه المهمة و كم شكك من حوله بقدرته.
      في آخر زيارة، دخل أحمد علي و هو أب، أناظره و هو يصف طفلته، أحاطته فرحة لم استطع لملمتها، و حارت كلماتي لتصويرها، كلما تحدث عن (منى) قفزت من عينيه دمعة فرحة تراقصت على خديه، يحدثني و يتساءل هل سأراها تتكلم؟ أو تقرأ؟ يا الله لو أني أعيش حتى أراها عروس، أكيد إذا أنا مت فأمها ستكون موجودة لأنها اصغر مني سنا. كان و كأنه يعدد كل ما حرم منه و تمناه لابنته، فما كان احد من أبويه حينما تكلم أول كلماته، و ما قرأ لأحد يوما، و تزوج وحيدا. و طغت فرحته على خبر فقدانه عربته مرة أخرى، إذ انشغل عنها و غاب مرة أخرى ليتابع أمر صحي الم بابنته الرضيعة فقد أصابها التهاب السحايا، لكن هذه المرة كان يتحدث و كأن كل ذاك غير مهم لا العربة المسروقة و لا الالتهاب و لا صورة الأشعة المطلوبة للتأكد من خلع الولادة، كان كل ذاك ليس بذي شأن عند أحمد هذه المرة، و كأنه مخمور أو منتش لفرط الغبطة في قلبه.
      خرج من مكتبي، جلست انظر الطريق و الجسر القريب، أناس أثقلت كواهلهم هموم جمة، بعضها بسيط و غيرها معقد و ثقيل، اختلطت علي المعاني، فمنهم من يعاني قلقا مزمنا و آخر يفرحه ابسط البسيط، هل للترف يد في اضمحلال ما يفرحنا إذ أصبحت الأمور البسيطة التي يكد غيرنا لينالها ليست ذات شأن بحياتنا فما عادت تفرحنا؟ هل الحاجة تولد الفرحة و تبسطها فبذلك تكثر أسبابها؟ 


فارس غرايبة

Saturday, 11 December 2010

رأس المجلس حيث أجلس


      أصر أبوه أن يسميه عوض ( عوظ ) على اسم جده، و امتعضت أمه نفيسة ( ناني ) و حاولت جاهدة أن تقنع أبو عوظ بان الاسم ما عاد من الأسماء الدارجة، و اقترحت أسماء كثيرة إلا أن الأب أصر و ألح، و على ما عزم الأمر نفذ و سجل الوليد باسم عوظ، رغم أن ناني هي ابنة عم أبو عوظ إلا أنها لم يعجبها الاسم أبدا.
      كبـر عوظ و ترعـرع على انفصـام شخصيـة و تنازعـت أفكاره بيـن نانـي و أبي عوظ، إذ كانـا بأفكارهمـا نقيضـان، فأبي عوظ أراد حياة كما ألفها ببيت أبيه و على ما كان عليه طول عمره، أما الأم ناني فما انفكت ترفض كل ما كان، فهي تنزع إلى الانسلاخ ولو شكلا عن ما كانت هي و كل من حولها عليه ببيت أبيها خلف، فحينما تذهب للسوق تحاول جاهدة ألّا يكون زوجها معها لأنه بـيـفـضـحـنـي ( بيفدحني ) وين ما كنت، ففي يوم اشترت ( بوفيه ) للصحون لتضعه بغرفة السفرة، و حينما عادت بما اشترت أصر أبو عوظ أن نفيسة اشترت نملية لتضع بها المواعين، و ناني يثار جنونها و طوال الليل تناقش أبو عوظ أن هذه بوفيه و بها طقم ( تئم ) صحون، إلا أن ذاك ما غير بأبي عوظ أي شيء فبقيت النملية تحتوي المواعين.
      دخل عوظ المدرسة، فاشترطت ناني على أبي عوظ أن يشتري لها سيارة كي لا يضطر عوظ للذهاب بصحبة أبيه إلى المدرسة و يختلط بمن تعرفهم هناك، فما كان من أبي عوظ و لكي ينهي طنين النحل ليلا نهارا برأسه أن يشتري سيارة لناني، و باتت ناني توصل عوظ الذي أفهمته أن اسمه (أود) و ليس عوظ كما اعتاد بالبيت، في احد الأيام اخذ عوظ و من بعيد ينادي يُمّاااااااااا فاحمر و ازرق وجه ناني و أسرعت لعوظ و أسكتته، و سرت بأذنه يا أود هون بتناديني مامي إياك أن تناديني يُمّا أبدا، فما كان من عوظ إلا أن انصاع لطلب أمه التي تحولت من يُمّا الى مامي، و في يوم اجتمع به أهالي الطلاب جاء عوظ و بصوته المرتفع نادى مامي مامي، أبوي ليه ما أجا هاظ اسمه مكتوب عالبطاقة؟ فابتسمت ناني ابتسامة المنحرج و التفتت لتتأكد إن سمع احد ما نطق به عوظ، و بقيت ناني تتقمص شخصيتها المغلفة فكلما سمعت عن ماركة حذاء أو رداء جديد إلا و كانت أول من يشتريه، و هي بسذاجتها تظن أن القشور تغير الجوهر.
      استمرت ناني بأسلوبها أياما و اشهر، حتى انقضى العام و أتى آخر، لكن هذا العام الجديد قدم و في جعبته مفاجأة، و هي أن ابن عم ناني الثاني قد ادخل ابنه نفس المدرسة، مدرسة عوظ، و يا ويلك يا ناني فها قد أتى من يعرف البئر و غطاه، و منذ أن عرفت ناني بذلك ما نامت أبدا فبقي يؤرقها الأمر، ليس أمر ابن عمها بل أمرها هي، التي توهمته و خلقته لنفسها و هي لا تدري أن ما من احد يلتفت لتصنعها و تلونها إلا من كان على شاكلتها منسلخا منفصما يعاني أمراض الوهم و عصفات السخف السرمدي، و في اليوم التالي خرجت ناني على أبي عوظ بفكرة قد تنقذها من إستيهامها، و أفضت لأبي عوظ عن رغبتها بنقل ابنهما من هذه المدرسة، حار أبو عوظ و استهجن فاستفهم لماذا باستغراب!! طالبا أن تعلمه بالسبب، فأجابته عن السبب الصحيح من دخول ابن عمهما تلك المدرسة و ما قد ينتج من فضح أمرها، نظر أبو عوظ مستعجبا ورد، يا نفيسة كل تصرفاتك هذه عرفتها منذ زمن و ما أعجبتني يوما، و سكتّ على مضض علك تفهمين، إلا انك أمعنت و واصلت بتمثيليتك الوضيعة، يا بنت الناس ما عاب أباك يوما نطق لسانه، و ما كانت أمك يوما إلا فاضلة بتصرفاتها لا بلكنتها، اسمعي يا نفيسة عوظ ابني و لن يكون يوما إلا ابني المعروف من هو أبوه و من هم أهله و إن كان هناك ما يعيبنا سيعيبه، و ما يوم عاب الإنسان لكنة أو لون أو شكل، أنت معنا إن أردت أما إن كان أصلك يحرجك فلا اقبل تغيير أصلي و لك الخيار إما أن تبقي أو تنسلخي.   
      كبر عوظ مثقلا برواسب طفولته، فكانت حياته خليط متأرجح بين النانية و العوظية، فبليال تقرأ له أمه (أسه) عن أليس و سندريلا و ليال أخرى يحدثه أبوه عن قصة حديدون و نص انصيص،  و عاش في حيرة إرضاء كل من الفريقين، فكل تصرف يحسب عواقبه تبعا للمذهبين و ليس لصحة التصرف من عدمه، و ما تجاوز يوم بحياته اضطرابات قراراته حتى البسيطة منها.

فارس غرايبة

Sunday, 5 December 2010

الضاد


      يجافي النوم جنبات من خانته فصاحة لسانه في التعبير عن مكنونات خلجات لبه لركاكة في لغته، ليس نقصا في مفردات تزخر بها لغته بل تنصل في الغابر من الأيام و توغل في إتباع الهوى و سعي وراء مظهر امتد على مر الدهر، فكان يتبجح و يتمجح كل من تلعثم بلسان القوي من الأمم، فقبل هذا الزمان سادت لغة الترك فكان يتحدث بها علية القوم فيما بينهم، و في يومنا هذا يتملق الخاصة و العامة سادة هذا الزمان و ينطقون بلغتهم كمن يلسّ مضغة في فيه.
      لا ضير في تعلم ألسن الخلق كافة، لا بل مما حمد و اثني على مبدعه، أما أن يصير نطقك بالعربية تعبيرا و معاملة نقيصة، فهذا كفران لا ممدوح، و منهم من يحاججك بأنها لغة لا تزخر بمفردات كافية للتعبير عن ما آل إليه علم هذا العصر، أقول لا أنت في خسر بل إنها لغة ما يشوبها أي معيب بل ما يعيبها ملسنيها من أبنائنا، فهي تزخر بتعابير عز نظيرها إن كان بالأدب أو الثقافة أو العلم، فمن منكم ينبغ بمعنى كلمة طرب إذ أن المغنى بهذه الأيام مبلغ الإرب؟ و أي من الألسنة نضح ظمأ الشعراء كما العربية؟
      و قبل كل هذا و ذاك، أي لغة مما تفقهون نزل بها ذكر من الله و كتاب محفوظ بأمر رب العزة؟ فإن غرب الزمان و طال، فاندثرت أمم و تبلبلت ألسن البشر، لساني محفوظ ما بقي الزمن و طال أمد الدهر.

فارس غرايبة