Saturday, 11 December 2010

رأس المجلس حيث أجلس


      أصر أبوه أن يسميه عوض ( عوظ ) على اسم جده، و امتعضت أمه نفيسة ( ناني ) و حاولت جاهدة أن تقنع أبو عوظ بان الاسم ما عاد من الأسماء الدارجة، و اقترحت أسماء كثيرة إلا أن الأب أصر و ألح، و على ما عزم الأمر نفذ و سجل الوليد باسم عوظ، رغم أن ناني هي ابنة عم أبو عوظ إلا أنها لم يعجبها الاسم أبدا.
      كبـر عوظ و ترعـرع على انفصـام شخصيـة و تنازعـت أفكاره بيـن نانـي و أبي عوظ، إذ كانـا بأفكارهمـا نقيضـان، فأبي عوظ أراد حياة كما ألفها ببيت أبيه و على ما كان عليه طول عمره، أما الأم ناني فما انفكت ترفض كل ما كان، فهي تنزع إلى الانسلاخ ولو شكلا عن ما كانت هي و كل من حولها عليه ببيت أبيها خلف، فحينما تذهب للسوق تحاول جاهدة ألّا يكون زوجها معها لأنه بـيـفـضـحـنـي ( بيفدحني ) وين ما كنت، ففي يوم اشترت ( بوفيه ) للصحون لتضعه بغرفة السفرة، و حينما عادت بما اشترت أصر أبو عوظ أن نفيسة اشترت نملية لتضع بها المواعين، و ناني يثار جنونها و طوال الليل تناقش أبو عوظ أن هذه بوفيه و بها طقم ( تئم ) صحون، إلا أن ذاك ما غير بأبي عوظ أي شيء فبقيت النملية تحتوي المواعين.
      دخل عوظ المدرسة، فاشترطت ناني على أبي عوظ أن يشتري لها سيارة كي لا يضطر عوظ للذهاب بصحبة أبيه إلى المدرسة و يختلط بمن تعرفهم هناك، فما كان من أبي عوظ و لكي ينهي طنين النحل ليلا نهارا برأسه أن يشتري سيارة لناني، و باتت ناني توصل عوظ الذي أفهمته أن اسمه (أود) و ليس عوظ كما اعتاد بالبيت، في احد الأيام اخذ عوظ و من بعيد ينادي يُمّاااااااااا فاحمر و ازرق وجه ناني و أسرعت لعوظ و أسكتته، و سرت بأذنه يا أود هون بتناديني مامي إياك أن تناديني يُمّا أبدا، فما كان من عوظ إلا أن انصاع لطلب أمه التي تحولت من يُمّا الى مامي، و في يوم اجتمع به أهالي الطلاب جاء عوظ و بصوته المرتفع نادى مامي مامي، أبوي ليه ما أجا هاظ اسمه مكتوب عالبطاقة؟ فابتسمت ناني ابتسامة المنحرج و التفتت لتتأكد إن سمع احد ما نطق به عوظ، و بقيت ناني تتقمص شخصيتها المغلفة فكلما سمعت عن ماركة حذاء أو رداء جديد إلا و كانت أول من يشتريه، و هي بسذاجتها تظن أن القشور تغير الجوهر.
      استمرت ناني بأسلوبها أياما و اشهر، حتى انقضى العام و أتى آخر، لكن هذا العام الجديد قدم و في جعبته مفاجأة، و هي أن ابن عم ناني الثاني قد ادخل ابنه نفس المدرسة، مدرسة عوظ، و يا ويلك يا ناني فها قد أتى من يعرف البئر و غطاه، و منذ أن عرفت ناني بذلك ما نامت أبدا فبقي يؤرقها الأمر، ليس أمر ابن عمها بل أمرها هي، التي توهمته و خلقته لنفسها و هي لا تدري أن ما من احد يلتفت لتصنعها و تلونها إلا من كان على شاكلتها منسلخا منفصما يعاني أمراض الوهم و عصفات السخف السرمدي، و في اليوم التالي خرجت ناني على أبي عوظ بفكرة قد تنقذها من إستيهامها، و أفضت لأبي عوظ عن رغبتها بنقل ابنهما من هذه المدرسة، حار أبو عوظ و استهجن فاستفهم لماذا باستغراب!! طالبا أن تعلمه بالسبب، فأجابته عن السبب الصحيح من دخول ابن عمهما تلك المدرسة و ما قد ينتج من فضح أمرها، نظر أبو عوظ مستعجبا ورد، يا نفيسة كل تصرفاتك هذه عرفتها منذ زمن و ما أعجبتني يوما، و سكتّ على مضض علك تفهمين، إلا انك أمعنت و واصلت بتمثيليتك الوضيعة، يا بنت الناس ما عاب أباك يوما نطق لسانه، و ما كانت أمك يوما إلا فاضلة بتصرفاتها لا بلكنتها، اسمعي يا نفيسة عوظ ابني و لن يكون يوما إلا ابني المعروف من هو أبوه و من هم أهله و إن كان هناك ما يعيبنا سيعيبه، و ما يوم عاب الإنسان لكنة أو لون أو شكل، أنت معنا إن أردت أما إن كان أصلك يحرجك فلا اقبل تغيير أصلي و لك الخيار إما أن تبقي أو تنسلخي.   
      كبر عوظ مثقلا برواسب طفولته، فكانت حياته خليط متأرجح بين النانية و العوظية، فبليال تقرأ له أمه (أسه) عن أليس و سندريلا و ليال أخرى يحدثه أبوه عن قصة حديدون و نص انصيص،  و عاش في حيرة إرضاء كل من الفريقين، فكل تصرف يحسب عواقبه تبعا للمذهبين و ليس لصحة التصرف من عدمه، و ما تجاوز يوم بحياته اضطرابات قراراته حتى البسيطة منها.

فارس غرايبة

No comments: